إبان مرحلة ماقبل الانفصال.. تشكلت لدى الكثيرين قناعات مبنية على قراءات لواقع الأوضاع في جنوب السودان.. بإن الدولة الوليدة التي تعسر مخاضها قد لا تصمد كثيراً وقد لا تبارح مكانها لعقود قادمات.. خاصة في ظل الوصاية الدولية المفروضة على الجنوب من قبل دول بعينها تتقاطع مصالحها مع بعضها البعض.. والخاسر الأكبر في هذا السباق هو إنسان الجنوب الذي غادر الشمال قسراً في رحلة البحث عن الذات نزولاً عند إرادة بعض الساسة وحفنة من الطامعين. الطريق الى جوبا كان محفوفاً بالنوايا الحسنة، وهكذا حال الطريق الى النار.. لذا عاد الكثيرون من مواطني الجنوب عقب فترة قصيرة من ذهابهم الى هناك، وهم يشكون لطوب الأرض من سوء الأوضاع الإنسانية، وكانوا شهود عيان على أن (عصا) سلفاكير لم تهش على (غنم ) التغيير في ظل وجود معارضة صديقه القديم د.رياك مشار السرية منها والمعلنة. طيلة السنوات الماضية أعرب المراقبون عن كثب للأوضاع في الجنوب عن قلقهم من هذه الصراعات العرقية والاثنية، التي يسعى البعض لإشعالها لتفكيك الدولة الوليدة، ويبدو أنهم نجحوا الى الحد البعيد في جعل واقع التعايش السلمي وتقبل الآخر يبدو كحلم بعيد المنال. قصص الرعب التي يرويها العائدون من الموت.. المستيقظون من أحلامهم أثر كابوس تفطر القلوب. قصص حقيقية لنساء وأطفال عايشتهم وكانوا بالأمس جيرانا لنا.. عندما يروون تفاصيلها وشهادتهم على العصر تجعلك تدرك مدى قساوة الحياة..الحياة بلا هوية وبلا وطن وبلا ذات.. وتجعلك تتساءل عن ساستهم الطامعين في السلطة ومن أين أتى هؤلاء؟!! قصصهم تتحدث عن اغتصابات جماعية للنساء، وأطفال دون التاسعة يحملون الكلاشنكوف والقرنوف، وآخرون من شدة جوعهم يأكلون الميتة وخشاش الأرض، وأطفال رضع يقتلون دونما ذنب فقط لقهر قلوب آبائهم. ما يدور في الجنوب هذه الأيام من أحداث مؤسفة يحتاج لأكثر من الدعوات والصلوات.. حان موعد التدخل.