خلق الله عز وجل الحياة البشرية في الأرض لتبقى الى حين محسوب بدقة، والى ذلك الحين تستمد الحياة استمراريتها بدوران الأرض (التي فيها خُلقت الحياة) على قطبين بنظرية الطرد والجذب الذي يُحدِث التعاقب اليومي - النهار والليل- بدورانهما حول نفسهما وتعاقب الفصول السنوي بدورانها حول الشمس، وكل ذلك وفق نظرية القطبين.. الحياة السياسية المعافاة والتي تحكم الأوطان وعلاقاتها مع باقي العالم أيضاً تدور حول قطبين، وكانت متوازنة في العصر الحديث أفرزت عدالة نسبية وتداول أو دوران سلمي للسلطة حول قطبي الحكومة والمعارضة المرادفين لقطبي الطرد والجذب في دوران الأرض، أو في دوران أية آلة أو جهاز لذلك نرى أن كل الدول المتقدمة في العالم الأول استدامت فيها الديمقراطية والتنمية ورفاهية شعوبها بسبب التداول (الدوران) السلمي للسلطة حول قطبين كبيرين- أمريكا- الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، وانجلترا العمال والمحافظين، والمانيا الحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الديمقراطيين الاشتراكيين، وفرنسا الحزب الاشتراكي الفرنسي- (يساري)- وحزب الجمهوريين- (يميني)- واليابان حزب الديمقراطيين الليبراليين وحزب الديمقراطيين المحافظين، وايطاليا الحزب الديمقراطي وحزب فروزا وحركة الخمسة نجوم، والهند حزب المؤتمر الهندي اليساري وحزب بهارتيا جاناتا (يميني)، وكندا حزب الأحرار وحزب المحافظين، وتركيا حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) وحزب الشعب الجمهوري (يساري) وخلافهم.. كل هذه الدول المتقدمة بها حزبان كبيران يدور حولهما التداول(الدوران) السلمي للسلطة. نحن في السودان من أوائل الدول الأفريقية والعربية التي عرفت وتعاملت مع التداول (الدوران) السلمي للسلطة، وكان القطبان حزب الأمة والوطني الاتحادي.. الآن لا سبيل لاستقرار وتنمية ورفاهية في السودان إلا بالعودة الى دوران عجلة الديمقراطية على قطبين كبيرين- الكم الهائل من الأحزاب الآن لم يأتِ من اختلاف فكري أو عقائدي، بل نشأ نتيجة تشظي كتلتين أو قطبين بسبب خلافات شخصية فردية، كنتيجة طبيعية منطقية لانعدام الديمقراطية ودوران عجلة التداول في القيادة وفق منظومة تعاقب الأجيال، التي تتعارض وتصطدم مع مفهوم الوراثة والدوران في حلقة القيادة الصغيرة جداً، التي تُبعد الكفاءات والقيادات الشابة التي تجيد التعامل مع المتغيرات المتسارعة في العالم حولنا.. هل هناك سبب واحد يجعل حزب الأمة يتشظى الى ستة أحزاب، والاتحادي الديمقراطي الى خمسة أحزاب، خلاف غياب الديمقراطية وحصر فرص القيادة في دائرة وراثية ضيقة، استفاد المؤتمر الوطني الحاكم من هذه الانقسامات والأحزاب الكثيرة في جذب عدد منها في توالٍ قوَّى المؤتمر الوطني وأضعف الحزبين الكبيرين التاريخيين بدرجة أثرت سلباً على دوران عجلة تنمية واستقرار السودان، التي الآن تدور حول قطب واحد، والدوران حول قطب واحد أو عجلة واحدة بالغ الصعوبة والخطورة لا يقوى عليه إلا لاعب سيرك ماهر (بهلوان)، وقد يسقط فجأة بحدوث أي أو أقل عطب في العجلة، ولا يحفظه من الموت إلا حبال الأمان المربوطة في خاصرته غير المرئية لجمهور المشاهدين.. حتى المؤتمر الوطني بكل تماسكه أصيب بعدوى التشظي، فحدثت انقسامات وأحزاب تحمل نفس فكر وعقيدة المؤتمر الوطني، وغابت عنه القيادات الكارزمية القوية وأدت الى ضعف واضح في التماسك التنظيمي للحزب، وغياب الشخصية المرجعية الفكرية المؤثرة في قوة الحزب، وخير شاهد على ذلك الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونسب التصويت فيها. الآن والسودان مواجه بتحديات كبيرة دولية واقليمية، أصبحنا في حاجة ماسة الى قطبين يجددان التداول- (الدوران)- السلمي للسلطة، وخير مدخل لإعادة الدوران السليم هو الحوار الوطني الحالي الداخلي، مضافاً اليه الحوار المكمل عبر التوقيع على خارطة الطريق الأفريقية وانخراط الأربع مجموعات – حركة العدل والمساواة د. جبريل، وحركة تحرير السودان (مناوي)، والحركة الشعبية قطاع الشمال، وحزب الأمة القومي (الإمام الصادق)، إضافة الى الحكومة حتى يخرج الحوار الشامل الذي يدعو له المجتمع الدولي، وعلى الحكومة إكمال نجاح الحوار الشامل بالالتزام بتنفيذ مخرجاته مهما كانت (ولا تتوجس من أي رأي جريء فيه مثل الحكومة الانتقالية أو بسط الحريات كاملة، أو استحداث منصب رئيس وزراء تؤول إليه كل الصلاحيات التنفيذية) لسبب بسيط هو أن الحكومة وتحديداً الرئيس البشير هو المبادر بالدعوة للحوار وما زال، وسوف يظل ممسكاً بكل السلطات السيادية والأمنية، وفي ظل هذه السلطات لا يمكن إقتلاع أو تفكيك الإنقاذ بصورة درامية كما تريدها المعارضة المتشددة متمثلة في قوى الاجماع الوطني وحركة عبد الواحد.. كل عناصر المعارضة الأخرى تقبل بالتسوية والهبوط الناعم المدعوم بالمجتمع الدولي.. نعود الى حتمية وضرورة العودة الى قطبين وقد تم الآن فرز الكيمان.. كوم كبير ومؤثر يحمل الفكر والتوجه الإسلامي وينادي بالحكم الإسلامي المتمثل في جماهير الحركة الإسلامية في المؤتمر الوطني، والمؤتمر الشعبي، والإصلاح الآن وباقي التنظيمات الإسلامية مثل الاخوان المسلمين، وأنصار السنة، وباقي أفراد الطرق الصوفية، والعدل والمساواة بكل فصائله، إضافة الى حزب الأمة بكل انقساماته، وعضوية الحزب الاتحادي الديمقراطي الطائفية (حزب الشعب الديمقراطي السابق- الختمية) والقطب الثاني القطب الذي ينادي بالحكومة المدنية، والمتمثل في الحزب الشيوعي، وأحزاب البعث، والأحزاب الاتحادية (الوطني الاتحادي التاريخي)، وحزب الحركة الشعبية، وحركة تحرير السودان بفرعيها عبد الواحد ومناوي.. المطلوب والمأمول أن تنهض قيادات مُلهِمة مُلهَمة من كل قطب، تدعو الى توحيد فصائله في حزب واحد جامع وهذا نظرياً يمكن، لكن عملياً صعب المنال بسبب الطموحات الشخصية في فصائل القطب الأول (الإسلامي)، لكن الذي يمكن إدراكه هو خلق كتلة واحدة من جميع فصائل هذا القطب وفق برنامج شامل يحدد كيفية حكم السودان، ونظام اقتصادي وسياسة خارجية في حد أدنى مقبول لكل فصائل هذا القطب (الإسلامي).. ويقيناً إذا صفت النفوس وتم إعلاء مصلحة السودان العليا سيكون الحد الأدنى مقبولاً لكل الفصائل، لذلك أرى نفسي داعماً لمحاولات نفر كريم لتوحيد فصائل الحركة الإسلامية، وأناشدهم مواصلة الجهد في توحيد كل فصائل هذا القطب، وخلق الكتلة المقترحة.. هذا بالطبع بعد أن تتحقق لهم وحدة الحركة الإسلامية. في القطب الثاني يجب أن تسعى مجموعة بتوسيع قاعدة قوى الاجماع الوطني، وتوحيد فصائل كل حزب البعث والأحزاب الاتحادية وضم وإعادة المؤتمر السوداني والأحزاب العربية، إضافة الى حزب الحركة الشعبية (إذا تم الاتفاق وفق الاتفاقية الاطارية) وحزبي حركة تحرير السودان- عبد الواحد ومناوي، أيضاً تشكل هذه المجموعة القطب الثاني وفق ميثاق وبرنامج عمل متكامل يؤطر لكيفية حكم السودان، والسياسات الاقتصادية، والسياسة الخارجية. النقاط الأساسية التي تحدد محور كل قطب ستكون: أولاً: موقع الشريعة الإسلامية في الدستور هل ستكون أحد مصادر التشريع كما في الدساتير السابقة، وهو ما ينادي به قطب الحكومة المدنية أم هي- أي الشريعة- هي المصدر الوحيد. ثانياً: حكم السودان- (رئاسي أو برلماني).. أقاليم فدرالية كبيرة أم الوضع الولائي الحالي. ثالثاً: السياسة الاقتصادية هل هي سياسة السوق الحر الحالية أم سياسة الاقتصاد الموجه والمقيد بتدخلات حكومية، ثم كيفية زيادة الإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، ومستوى تدخل وتواجد الدولة فيه، ثم استغلال ثروات باطن الأرض ومدى سيطرة الدولة عليها. رابعاً: السياسة الخارجية: التطبيع مع أمريكا والغرب والدول العربية التي تحارب الحركات الإسلامية المتطرفة وغير المتطرفة وتحديد الانحياز أو عدم الانحياز لأي من محاور إيران والسعودية أو تركيا التي تدعم الحركات الإسلامية. خامساً: موقف كل قطب من الدعوة المتنامية بإعادة الوحدة مع دولة جنوب السودان خاصة بعد الحروبات والمواجهات الدامية الأخيرة في الجنوب. هذه هي الأوجه الخمسة التي حقيقة (تفرز) الكيمان، وتتيح رؤى واقعية لبقية أفراد الشعب الجالسين على الرصيف، تدفعهم الى الانخراط في أحد القطبين، أهم عنصر في نجاح هذا الطرح هو اعتراف الجميع بأن الشعب صاحب المصلحة الحقيقية، له مطلق الحرية في اختيار القطب الذي يريد وأن الوطن للجميع لا يجوز فيه أية عملية إقصاء لأي سبب، وأن يقبل الجميع ما تفرزه انتخابات حرة نزيهة، حتى تدور الحياة السياسية في السودان على قطبين في استدامة تنهض بالسودان وتحفظه وتحفظ مواطنيه.