الدكتور المعتمد.. معتمد.. زهرة المدائن.. أمدرمان.. مرة أخرى لك التحايا والود.. وأصبحت كيف؟ وبالأمس كانت كلماتنا لك.. تلك التي كانت مستوحاة.. أو صدى.. لحديثكم.. وتواصلكم مع مواطنيك.. سكان أمدرمان.. عبر ذاك المذيع الذكي «الفاهم» وعبر أثير «ساهرون».. تلك التي باتت أثيرة جداً عندي.. ولا عجب.. فقد بت أسهر معها.. أنصاص الليالي وحتى.. فجر صبح الغد الجديد.. سيدي الدكتور.. أعادتني.. هذه الحلقة.. وأعادني ذاك التواصل بين الحاكم والشعب.. إلى روعة الأيام.. وبهجة الأماسي.. وعظمة الليالي.. وأعود القهقري.. إلى مجلس بلدي أم درمان.. ونوابه المنتخبين من الجماهير..وذاك التواصل الرصين والحميم.. بين القيادة والقاعدة.. وبدأت أسأل نفسي.. وأنت تجيب على أسئلة المواطنين.. هل يمكن أن ننتج مرة أخرى تلك الصفحة الرائعة.. والباذخة.. بل المدهشة والنبيلة.. أم تراني.. أبكي مع عثمان حسين وهو يردد في أسف وحسرة.. ليتنا عدنا وعادت الأيام.. سيدي الدكتور.. ولأن اليأس والاستسلام.. والهزيمة ورفع الراية البيضاء لا ولن يجد إليَّ طريقاً.. ولأن «الأرضة جربت الحجر».. دعني أتمنى.. و«الله بدي الجنة» أتمنى صادقاً.. أن تقتطع من وقتك الغالي.. أمسية كل شهر.. «يعني مرة في الشهر» لتجلس وسط مواطنيك أبناء وبنات.. رجال.. ونساء أمدرمان ولتكن في حديقة البحيرة.. على بساط روعة العشب الأخضر.. لتحكي لنا ونحكي لك عن أمانينا الكبيرة.. لقاءً شهرياً وفي الهواء الطلق.. ونود أن نطمئنك.. ومن «هسه خت الرحمن في قلبك».. إنك لن تسمع مواطناً واحداً أو مواطنة واحدة.. تطلب منك تصديقاً «لكشك» أو إعفاءً من عوائد.. أو رسالة لديوان الزكاة.. فقط لأن أحلامنا أكبر من ذلك بكثير وآمالنا أعرض من ذلك بكثير ونقسم لك بأمدرمان.. والتي هلت فوقها غابة رماح.. إن أي أحد.. يقف متحدثاً في شأن شخصي.. نتكفل نحن في المقاعد الخلفية.. وقبل أن يكمل حديثه.. ستستمع إلى هدير داوي منا يتلخص في كلمة نرددها في غضب «أقعد.. أقعد.. أقعد» حتى يقعد ذليلاً كسيراً.. الحديث.. يومها.. سيكون فقط.. عن أمدرمان.. ونيابة عن أمدرمان.. وكيف.. نعيدها منارة.. من النظافة.. والقيافة.. والفن والرياضة والثقافة.. وكيف يعود ذاك الزمان.. وكيف نمسح ذرات من غبار علقت بوجه إنسان أمدرمان الجميل.. قطعاً نحدثك عن السينما.. وكيف أمدرمان أصبحت حديبة.. من ذاك الإشعاع الثقافي البديع.. وكيف أنها صارت كمدن الملح.. المدفونة في رمال تشويها الشمس مثلها مثل خيام مضارب تميم.. نحدثك عن المكتبات العامة وقد تحدثت أنت عبر الإذاعة عنها.. ولنا حديث.. مترع بالخبرة.. غني بالمعرفة.. عن المكتبات.. التي كم كم.. نهلنا من فيض فيوضها في ذاك الزمن الجميل.. نعم سيدي.. سترى عجباً.. وتعرف في دهشة.. كيف هم أبناء أمدرمان..و كيف جنون حبهم لأمدرمان.. وكيف أنهم عند لقاك.. لن يحدثوك مطلقاً عن شأنهم الشخصي.. ومن يفعل هذا تأكد- سيدي- أن صرخته الأولى.. لم تنشق في فضاء أمدرمان.. ولكن لنا رجاء.. وإن كنت أرى تحقيقه مستحيلاً.. بل أظن أنه خط أحمر.. ولكني.. سأجتازه واتجاوزه.. وسجن..سجن.. غرامة.. غرامة.. وهو أن لا يكون اللقاء الشهري بك عبر اللجان الشعبية.. لأن بعض هذه اللجان.. أو بعض أعضاء هذه اللجان.. ما زالوا منكفئين.. على صفحة.. طواها النسيان.. وما زالوا في محطة تصفر فيها الرياح بعد أن بارحها القطار.. إنهم سيدي في ذاك المربع.. وذات النشيد.. أمريكا روسيا قد دنا عذابها.. و«المساكين» لا يعرفون أن جبارتكم جبارة الإنقاذ قد «وقفت» بفضل روسيا رغم أن خيول الردة قد اجتاحت «قصر الشتاء» وعربدت مجنونة تحت قباب الكرملين وطرقت في غباء مدهش البارجة «أفرورا».. سيدي تعال.. لنا في حديقة البحيرة.. لنطلع للحياة أنداد.. زي سيفين مساهر فيهن الحداد.. ونطلع من بذور الأرض زرعاً فارع الأعواد.. سيدي الدكتور.. قبل الوداع.. دعني أتمنى أن تصافح عيونك كلماتي هذه ولا يهم بعدها إن كانت «الجريدة».. مجرد «نشافة» في مطبخكم العامر.. الفخيم.. وهي تستحلب الزيت من شرائح البطاطس المقلية.. أو مستقرٍاً لأوراك الدجاج البطري.. والسمك البياض.. تتلوى من سعير الصاج وهي تنزف زيتاً.. مع السلامة.. ولك ودي..