قبل رحيله بعام هاتفت الفنان الهرم الكبير محمد وردي راجياً موافقته بأن يكون ضيفاً على برنامجي من بلدنا الذي كنت اعده واقدمه بقناة النيل الأزرق وقتها فوافق الرجل مشكوراً وسألني عن ميقات حضورنا لمنزله للتسجيل ووسط سعادتي بالموافقة حددت له الموعد الرابعة عصر الخميس القادم ... وكعادة السودانين على الجرجرة وعدم إهتمامهم بالزمن وصلنا منزل الهرم الكبير في الخامسة ونصف فاستقبلنا ببشاشته المعهودة ... ودعانا إلى مائدة ما (خمج) فالرجل معروف بكرمه وظل طوال الغداء يمزح معنا ، واستمر هكذا حتى الإنتهاء من الوجبة والتي بعدها اتجه المخرج والمصورين لاختيار المكان المناسب للتسجيل ، ليتغير وجه الرجل وهو يقول مافي تسجيل امشوا تعالوا الساعة اربعه يوم الخميس الجاي فانا فنان والفنان الذي لايعلي من قيمة الوقت لايحترم فنه ولم تفلح كل الاجاويد .... فودعناه وعدنا الاسبوع القادم في الوقت المحدد دون ان نسبقه بدقيقة او نزيد ليتم التسجيل والذي بعده ودعنا وردي بابتسامه وهو يقول انتم اعلاميين تعلموا وعلمواالناس قيمة الوقت الذي به يرتفع شأن الاوطان ويستفيد الناس من اعمارهم ، كلمات عميقة قالها لنا والتي عندما نسقطها على حالنا نجدها فعلاً هي التي تؤخرنا فانك عندما تذهب لخدمة في اي مرفق من مرافق الدولة لايتجاوز عمر إنجازها دقيقة يقول لك الموظف مر علينا بكره...وإجتماعاتنا الرسمية لاتبدأ في اوقاتها ولاتنتهي اما نحن فمواعيدنا على شاكلة بجيك الساعة تسعة انتظرني حتى عشرة إن لم احضر حداشر امشي... قله نادرة منا من يحترمون الوقت ومن هؤلاء الفنان محمد وردي الذي إستطاع أن يخلد في الدواخل باحترامه لفنه وللوقت مما جعله ينجز اعمالاً كبيرة في عمره الذي قدره له الله ليعيش بيننا بعد رحيله بما قدمه ومعروف عن وردي الذي نحتفي هذه الايام بذكراه انه رجل مواقف وقناعات لا يحيد عنها ومثلما كان يحترم الوقت كان يحترم كل مبادئه الآخرى فعندما غنى لمايو لم يخجل بعد ان اقتنع بأنه اخطأ في ذلك في أن يقف ويغنى لاحارسنا ولافارسنا .... وعندما اختلف مع حكومة الانقاذ في بداياتها هاجر..وعندما اقتنع بالعودة لم يتردد فعاد وعاش في وطنه حتى توفاه الله لتبقى الحقيقة ان الفنان المؤسسة محمد وردي فعلاً يستحق الاحتفاء به كل عام ولكن بطريقة اكثر علمية ندرس فيها تجربتة الفنية والتي جعلته فنان افريقيا الأول بلا منازع وهو والذي جعل الموسيقار الكبير محمد الأمين عندما تم الاحتفال به في قاعة الصداقة فناناً للقرن وكان وردى وقتها في المهجر ... يقول في الحفل أن فنان القرن هو محمد وردي ولست انا ثم يطلب من فرقتة الموسيقية ان تعزف له نور العين انت وينك وين ويغنيها ود الأمين للحضور .. لك الرحمة الفنان المؤسسة محمد وردي ..فقد كنت تعطينا دروساً مهمه في مسيرتك الحافله بالعطاء المميز والالتزام والاعتزاز بالنفس وبما تقدم فخرجت بالفن السوداني خارج الحدود ونقشت في وجدان الشعب.