يقال إن صاحب السمو الشيخ زايد قبل أن يقفز بدولة الإمارات العربية المتحدة كل تلك القفزة المدهشة التي أحدثها كان يحلم بأن تكون ابوظبي العاصمة مثل الخرطوم حقتنا، وسرعان ما تجاوز الأحلام الى واقع علمي تجاوز به سقف الخرطوم مسافات ومراحل بعيدة جداً، جعلتنا نحن في الخرطوم لا نتجرأ حتى بالقول إننا نريد أن تكون الخرطوم مثل ابوظبي... ثم استمر تصاعد التطور في دولة الإمارات من بعده على رأس كل ساعة وأذكر قبل سنوات كنت والصديق الحبيب والصحفي الكبير المرموق عبدالعظيم صالح رئيس تحرير هذه الصحيفة ضمن وفد وزير المالية المشارك في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين المقام في دبي.. وبقينا يومين هناك بعد المؤتمر نتجول في شوارع دبي ونمتع أنفسنا بالدهشة، فالدهشة هناك في كل اتجاه وكل مكان من العمران والنظافة والنظام وغيرها ... عبدالعظيم بطبعه رجل ساخر في نقده للواقع السوداني بطريقة لطيفة جداً... فخرجنا الصباح بعد هطول أمطار في الفجرية لنتفاجأ بأننا لم نجد لها أثراً على الأرض... فهي ليست مثل حالنا الذي يحتاج فيه المارة بالأقدام بعد هطولها الى التشمير وتحتاج قيادة السيارة في كثير من شوارعنا الى براعة الحواة... وبعد أن ضربنا الهمبريب.. قال لي عبدالعظيم (ارح) نمشي بجاي نشوف لينا ركشه نمشي بيها السوق جوه، وهو يدري أن الركشات لا منطق لوجودها في دبي مثلما هو الحال عندنا تزاحم السيارات في شوارع وأسواق الخرطوم.. وبعد أن ضحكنا على ركشات عبدالعظيم حك رأسه الساخر... وقال طيب ارح نشوف لينا شجرة تحتها ست شاي نقعد جنبها نشرب لينا كباية كاربة مع الهمبريب ده.. قالها وهو يعلم أن ذلك لايوجد هنا مثلما عندنا... ولكنها سخريته اللطيفة الناقدة لواقعنا الممتلئ بالتناقضات.. وعبد العظيم من الذين يمنحون الأسفار متعة إضافية... وامتدت الحكايات والمقارنات وتناسلت... بين قارورة ومنديل وقشرة موز ترمي في طرقاتنا دون محاسبة، وبين واقع الممنوع ممنوع هناك.. والكل ملتزم بالقانون حتى نحن الذين نفعل ذلك في بلادنا نلتزم هناك... وهناك لا تحس بقطع نفس عمر نمر وإعتذاراته عن تراكم النفايات... فكل شيء منظم ويتم بهدوء وبمعرفه وبدون قطع نفس... المهم بعد تلك الزيارة، زرت الامارات عدة مرات، وفي كل مرة اقول لماذا لا نحلم بأن نكون مثلها ونعمل لذلك... ولا نجد رجل مرور واحد في الشارع والحركة منسابة ولا مخالف للمرور في غياب رجال المرور، فالكل يحترم القانون والقانون هو الذي يدير الحياة هناك، فالامارات دولة عرفت كيف تدير حياتها تجاه المستقبل المتطور بعلمية ومنهجية مدروسة الأهداف، وهذا ما نحتاجه بدلاً من سياسة إدارة الأزمات التي تشغلنا عن إدارة المستقبل برؤية واضحة في دولة يسودها القانون، وهناك دول كثيرة تقفز الآن بينما نحن نتصارع حكومة ومعارضة، ولا نستطيع التوافق حتى على حوار وطني نجلس فيه جميعاً بروح وطنية عالية، لنصل الى اتفاق من أجل الوطن لنبنيه ثم نحتكم لصناديق الاقتراع ... ياريت ياريت