٭ عندما تجاوز القرن العشرين نصفه الأول، اشتدت معارك الحرب الباردة بين الأمريكان والسوڤيت متخذة من الدعاية الإعلامية والعمليات الخفية والضغوط الدبلوماسية آليات للصراع.. فقد كانت مواسم الحج مناسبات لإرسال الجواسيس والغواصات من المسلمين السوڤيت، للتبشير المضاد للاتحاد السوڤيتي والشيوعية، كما فعل العميل الأمريكي المسلم الأوزبكي (روسي نصار) وزميله)حامد راشد (اللذان سافرا الى الديار المقدسة بزعم أنهما تركيان، والتحقا بالحجيج السوڤيت لبث الدعاية المضادة والمنشورات المحرضة، وبذر الشكوك حول موطنهم الأم وليعمدا إلى مضايقتهم حتى في مكةالمكرمة في موسم الحج 1954م، وذلك بإيعاز من (اللجنة الأمريكية للحريات) المعروفة بالانجليزي اختصاراً ب (أمكومليب)، والتي تتخذ من نيويوركوالمانيا الغربية وميونيخ خصوصاً مقراً لها، وتشرف بشكل مباشر على (راديو الحرية)هناك. ٭ كما كُلف نصار في عام 1955 بالسفر إلى مؤتمر العالم الثالث وعدم الإنحياز في باندونغ بأندونيسيا- الذي حضره وفد سوداني بقيادة الزعيم اسماعيل الأزهري- ذهب نصار إلى باندونغ بتمويل وانتداب علني من فون منده كممثل (للجنة الوحدة القومية التركستانية) جماعة اللاجئين الأقوى تأثيراً في تمثيل المسلمين السوڤيت.. ولكن الحقيقة أن (الحاج نصار) عمد هذه المرة إلى تغيير جلده ليذهب في إهاب مراسل صحفي، إذ صُودق له، بترتيبات من المخابرات الأمريكية، على الالتحاق بصحيفة (نيويورك هيرالد تريببون) في باندونغ أثناء انعقاد المؤتمر، واُبرقت السفارة الأمريكية في جاكارتا بأن نصار يعمل لدى الصحيفة (هذا الأسبوع) بما يشير إلى أن المهمة قصيرة للغاية، أو لعلها ستاراً للدور الخفي المنوط بنصار لعبه، مثلما اُشير في الرسالة بأنه يمثل أيضاً اللجنة المذكورة سابقاً.. أما دور نصار في حرب )الدعاية المسلمة الأمريكية (فقد كان في بعض الأحايين غامضاً خفياً، فرغماً عن ظهوره الإعلامي خلال موسم الحج ومؤتمر باندونغ في العام التالي.. إلا أنه أختفى فجأة لتمر سنوات طوال الى أن يظهر ثانية في أعقاب انهيار الاتحاد السوڤيتي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كأحد حكماء الأوزبك الذين يعيشون في الولاياتالمتحدةالأمريكية وقد التقاه المؤلف- إين جونسون- في فيرجينيا عام 2006، وكان لايزال نشيطاً متيقظاً استدعى بيسر ذكريات وأحداث الماضي، بما في ذلك التحاقه بالوحدات التركستانية وأسره والتحاقه في ما بعد بجيش النازي، حيث أصيب مرتين.. لكنه رفض الاعتراف بأنه كان قد عمل لصالح المخابرات الأمريكية، التي جنده لها أرشيبالد روزفلت ابن مسؤول التجسس الاسطوري بالوكالة، وحفيد الرئيس ثيدور روزفلت، وزعم ككثيرين غيره -ممن تحدث اليهم المؤلف -أنهم يرون أنفسهم (زعماء قوميين جاهدوا كي تبقى شعلة الاستقلال متقدة في بلدانهم إبان الليالي الحوالك للحكم السوڤيتي المقيت). ٭ في تلك الأثناء ظهرت جماعة إسلامية أخرى في أوساط اللاجئين والأسرى السابقين لمسلمي الاتحاد السوڤيتي في المانيا الغربية، حيث أسس (كوجا أوغلو) عام 1953 جماعة دينية أسماها (الجماعة الدينية الإسلامية في غرب أوروبا)، وكان هدفها المعلن هو الحفاظ على الدين وتعاليمه، وفي ذات الوقت الحيلولة دون أن يفقد المسلمون ولاءهم لألمانيا.. وجدت تلك الجماعة ابتداءً مساندة من فون منده ومكتبه المهتم بشؤون اللاجئين بلا وطن .. وأصبح كوجا أو)خوجا( في غضون عامين يتولى الاشراف على توزيع الطعام الذي تعده منظمة (CARE) كير الأمريكية في ميونيخ وتوزيع بعض السلع الواردة من (مؤسسة تولستوي) ذات الرعاية الأمريكية، والتي أسستها ابنة الأديب الروسي الكبير المتمردة.. وبحلول 1955 كانت)امكومليب-( اللجنة الأمريكية للتحرير- تمول كوجا أوغلو مباشرة، إذ قامت بتمويل عيد الأضحى الذي نظمته جماعته في ميونيخ .. فقد كان القوقازي كوجا أوغلو )صيداً ثميناً(، خصوصاً وهو يحظى بشعبية كبيرة لقاء أعماله الخيرية .. فتحرك من المعسكر الداعم للألمان بقيادة فون منده الى المعسكر الأمريكي. يتبع...