أبدأ أولاً بشكر الأخ عمر البكري على رده الهادف والموضوعي على انتقاداتي اللاذعة كما قال، متجاهلاً لها (آخر لحظة 21/8/2016م). أولاً: أنا لا أنتقد لأنني أحب النقد، لكن الذي يثير غضبي وغضب غيري كما أرى هو حالة الاسترخاء السائدة تجاه معالجة المشاكل، وأنا لا أنتقد أشخاصاً، بل أحترم كل من يعمل في الحقل العام وأقدره. ثانياً: أنا لم أدع لبرنامج رأسمالي وإن كان لي رأسمال فهو الفكر الإسلامي وفيه قدر كبير من الحرية وفيه أيضاً مسوغ للحاكم أن يتدخل إذا رأى ضرورة لذلك. ثالثاً: ما طبق في السودان وأنا شريك فيه ولست صاحبه هو برنامج فيه قدر كبير من الحرية، وقدر من تدخل الدولة.. لم نخصخص كل المشاريع الزراعية الكبيرة وهي عصب الاقتصاد.. ولم ندعُ لذلك، وسياستنا المالية والنقدية كلها تدخل من الدولة. رابعاً: البرنامج الذي أطرحه اليوم فيه مطالبة بتدخل الدولة تدخلاً مالياً كبيراً بضخ أموال كبيرة لتحريك الاقتصاد، وحتى يستبين الناس الأمر أرجو أن تتكرم صحيفة آخر لحظة بنشره كاملاً ولها ولك الشكر وقد يستمر النقاش. كيف نخرج من النفق؟ تحليل الوضع الراهن * وجود فجوة موارد داخلية وأخرى خارجية متزايدة ومستمرة بسبب الطلب الهائل من الاقتصاد والحكومة كأحد أهم اللاعبين (الطلب ليس فقط من الحكومة وليس فقط من الجانب العسكري أو جهاز الدولة المركزي والولائي)، وهذا الطلب غير قابل للتخفيض ومن العبث البحث عن حل من تلقاء تخفيضه كل الحلول التي تدعو لتخفيض الصرف الحكومي غير واقعية علينا أن نتقبله كأحد المحددات الرئيسية التي نتعامل معها. * تجاوب response خاطئ مع المشكلة بعمل سياسات مالية ونقدية انكماشية وسياسات تحكم إداري وأيضاً حسب الادعاء لتخفيض التضخم وسعر الصرف، هذه السياسات تعمل في الظروف العادية عندما يكون هناك أصلاً استقرار نسبي ولكن وضعنا الحالي جاء عقب صدمة هائلة خلخلت الجسم الاقتصادي كله ورسبت عدم استقراره، فعدم الاستقرار هو السمه الرئيسية (تجلياته الظاهرة للناس ارتفاع التضخم وانهيار سعر الجنيه). * تحت ضغط الواقع هناك سياسات تجارية واستثمارية ونقدية حتى تجري عكس السياسات الانكماشية السائدة، وجاء تطبيقها متجزئاً ومعقداً لأنها عوملت كسياسات استثنائية ال(nil value) للاستيراد - السماح ببيع حصيلة الصادر للموردين- سياسة شراء الذهب- السماح باستيراد بعض المحروقات للصناعة بالسعر الحر ..الخ. * نتيجة لهذه السياسات ترسب وتخدر ركود تضخمي وارتفاع مستمر في المستوى العام للأسعار والتضخم وعند كثيرين اختزلت تجليات المشكلات manifestations في تدهور سعر الجنيه المستمر وصور كأنه المشكلة بينما هو أحد نتائجها. * قدمت الدولة العلاج في شكل برنامج ثلاثي أولاً (لم يحدث آثاراً إيجابية) والآن برنامج خماسي توسعي للغاية على الورق قد يعمل في ظروف عادية وفي مدى طويل ولكنه لن يحل مشكلة الإنتاج المستهدفة، لأنه لا يملك أي موارد داخلية أو خارجية لتنفيذه. *ما هو المطلوب للمعالجة ؟ بناء على هذا التوصيف للمشكلة نحتاج إلى برنامج معالجة: /1 يوفر فوراً موارد هائلة وسريعة محلية وأجنبية. /2 تعديل جذري للسياسات المالية والنقدية الانكماشية يكون هدفه تحفيز النمو المؤدي لزيادة الإنتاج وهو الحل المفتاحي للمشكلة الاقتصادية. /3 يرسم خارطة طريق واضحة جداً تتضمن الأولويات والإجراءات المطلوبة (إلى جانب السياسات) وكيف نبدأ وترتيب الخطوات المطلوبة sequence إذا كان هذا هو المطلوب من البرنامج فما هو نهج المعالجة المطلوب. أولاً: طالما قلنا بوجوب تحديد أولويات فيعني هذا أن هناك أشياء يجب أن تنتظر حالياً، وأشياء تستمر في حدود ما يتوفر لها من إمكانات وموارد. /1 الديون الخارجية القديمة تنتظر والحديثة من المصادر الجديدة الشرق والصناديق المؤيدة تدفع لأنها ستجلب موارد. /2 التنمية التقليدية (المشروعات الكبيرة) تنتظر والمشروعات التي تساعد على تخفيض الأسعار وتحريك جمود الركود الحالي والتي تتوفر لها موارد خارجية أو داخلية هي التي نقدمها. /3 يسري نفس الشيء على الخدمات، الكبير والجديد ينتظر لأنه يحتاج لصياغات شاملة وإعادة هيكلة ..الخ والمشروعات الصغيرة المتعلقة بمعاش الناس تستمر، أي أننا نحتاج إلى اختيارات صعبة محددة تهدف إلى إخراجنا بسرعة. ثانياً: إن المطلوب كما هو واضح من الفقرة أعلاه، ليس برنامجاً يعالج كل المشاكل الموجودة في نفس الوقت، لأن ذلك مستحيل عقلاً وزمناً وموارد، ولهذا يكون سياسياً أن البرنامج ذو طبيعة انتقالية ومحدودة ليخرجنا من النفق وبعد هناك حديث آخر. الخلاصة: لا بد من تقديم برنامج وسياسات ومشروعات أخرى وهو برنامج يعتمد على الذات والموارد الوطنية ويتجنب آثار أهم المشاكل: /1 زيادة الضرائب. /2 رفع الدعم.. /3 تخفيض الصرف الحكومي على جهاز الدولة المدني والعسكري. ثالثاً: إن هناك مشكلة زمن، فهناك حاجة ملحة وضاغطة لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لنخرج من عنق الزجاجة، التدرج والتراخي وتجزئة الحلول ستهزم الهدف تماماً، نجاح المعالجة إذاً ليس هو الاسترخاء والتأجيل، بل العمل الحاسم السريع. /4 إن التراتيبية – sequence مهمة لتقليل آثار بعض المشاكل المراد حلها، ولتساعد في حل مشاكل أخرى الهدف الرئيسي هو إيجاد موارد وبسرعة. *تلخيص مؤقت /1 المطلوب تعديل أساسي في السياسة المالية والنقدية بالذات الانكماشية الحالية، إلى منحى توسعي يساعد على النمو. /2 ويعني هذا هذا تدخلاً حكومياً لإتاحة موارد (سياسة التيسير الكمي والتحفيز المالي)، ويعني إحداث تغييرات كثيرة. /3 التركيز على الحصول على موارد خارجية من تلقاء المغتربين- المستثمرين - المصدرين بوسيلة واضحة وقاطعة وهي تعديل سعر الصرف لصالحها. /4 الاعتماد على الجهاز المصرفي المركزي والتجاري والاستدانة من الجمهور للحصول على موارد داخلية وليس على الضرائب أو رفع الدعم والإجراءات المطلوبة هي: /1 تعديل مستوى نمو الكتلة النقدية أو السيولة الداخلية بصورة كبيرة. /2 تعديل رقم العجز المستهدف (الاستلاف من البنك المركزي إلى ما لا يقل عن 5%). /3 تخفيض الاحتياطي النقدي للمصارف من 18% إلى 8%. /4 السماح للبنوك بالاستثمار بصورة أكبر في الأوراق الحكومية ورفع نسبها من 20% إلى 35% لتتيح موارد للحكومة لتمويل برنامجها الجديد للتدخل السريع. /5 رفع هامش الربح والأوراق الحكومية إلى ما لا يقل عن (22%) حالياً 19%)). /6 توسيع حجم الإصدار لسداد مستحقات شهادة وتوزيع أرباح على مشتريها وإحياء السوق الثانوية للتعامل (إحياء شهامة التي قتلتها السياسات الانكماشية الخاطئة). /5 تعديل سعر الصرف بتحريره تماماً لكل السلع والخدمات مع احتفاظ الحكومة بسعر رسمي متدنٍ لمعاملات الديون وإخراج التعامل في سعر الصرف، والحد من سلطة البنك المركزي لتسلمها البنوك التجارية. /6 بعد تدفق الموارد بصورة معقولة في أقرب فرصة تنفذ الحكومة برنامجاً للتيسير الكمي لتحريك الاقتصاد، ويكون مركزه برنامج إنتاج سلعي وخدمي محدد (اسمية برنامج التدخل السريع) للعمل على تخفيض المستوى العام للأسعار والتضخم. /7 شن حملة استعادة ثقة بالاقتصاد (ومن ضمنه الجنيه) هدفيها. /1 سحق النظرة الحالية المتسمة بالمضاربة والاكتناز عند الجمهور. /2 استعادة ثقة المانحين في جدية الحكومة لإصلاح خال الاقتصاد أملاً في إقناعهم بتيسير سريان القروض المحجوزة وإعطاء قروض جديدة تكون الحملة بتبني حزمة الإجراءات المشار إليها أعلاه بصورة قاطعة وشجاعة وليس بالكلام وطق الحنك. *ما هي النتائج؟ فوراً ستحدث اختلالات في بعض مكونات أو مستهدفات البرنامج المقترح (مثلاً ارتفاع سعر الصرف) نتيجة لارتباك المتعاملين والذي سينتهي عندما يختفي السعر الموازي الذي يعطيهم الآن الأمان ويضمن لهم جر الجنيه وراءهم (يعطيهم القدرة على التحكم في مستوى التدهور)، ولكن من المؤكد أن هذه الجزئية سوف تستعدل في إطار الإصلاحات الأساسية الأخرى المشار إليها التي ستفيد الاقتصاد بصورة محسوسة. وهي الكفيلة بالخروج بنا من النفق إلى الفضاء الواسع، فضاء التنمية والنمو والتوسع الكبير للاقتصاد.