عندما هبطنا صباح أمس الأول بمطار بليلة بولاية غرب كردفان، كان الجو معتدلاً، ووضح أثر فصل الخريف بشكل كبير على المكان .. أقلتنا مروحيتين إلى مدينة المجلد، ومن الجو ظهرت روعة المكان .. الخطوة حفزت مساعد رئيس الجمهورية رئيس الوفد المهندس إبراهيم محمود حامد إلى توثيق الخضرة التي تنعم بها الولاية، حيث التقط عدة صور .. كان التفاؤل بادياً على الجميع، وظهر الاطمئنان على وزير الحكم الاتحادي د. فيصل حسن إبراهيم .. كان ذلك طبيعياً وذلك لأن الزيارة كانت تاريخية وذات أهمية بالغة، حيث شهد الوفد طي صفحة الخلاف بين قبيلتي الرزيقات وإخوتهم في قبيلة العقاربة أبناء شرق دارفور. المجلد : أسامه عبد الماجد اهتمام رئاسي أولت رئاسة الجمهورية على كافة مستوياتها اهتماماً خاصاً بالمشكلة بين الرزيقات والعقاربة، والذي يعود للعام 2013، عندما وقع نزاع بينهما بمنطقة الجيلي، شمال السكة حديد بمحلية عسلاية بشرق دارفور، وتابع النائب الأول بكري حسن صالح الملف، ثم أكمل مساعد الرئيس المهندس إبراهيم محمود حامد المتابعة حتى توج بالصلح أمس الأول، وحرص على أن يكون حضوراً لختام مؤتمر الصلح، وغمرت السعادة وجهة حتى أنه رفع قبضتيه علامة الانتصار عقب توقيع الأطراف. لجنة الأجاويد .. مجهود جبار إمتدح الجميع الجهود التي قامت بها ح كومة غرب كردفان ووالي الولاية، ولجنة الأجاويد التي ترأسها عضو المجلس الوطني أحمد الصالح صلوحة، وهو رجل خبرة عركته التجربة، ومتخصص في ملف التصالح والتعايش القبلي، فكان اختياره أحد عوامل نجاح الصلح، فضلاً عن إرادة القيادات من الطرفين (الرزيقات والمعاليا)، في فتح نافذة جديدة يتنسم الجميع من خلالها هواء السلام والمحبة والوئام. قدم صلوحة، كلمة رصينة أكد من خلالها أن الصلح يحتاج إلى تجرد ونكران ذات، وكشف عن المنهج الذي أداروا به التفاوض، والذي قام على أن تكون القرارات نابعة من الطرفين، والخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ، لكنه لفت انتباه الحضور إلى مسألة مهمة جداً، وهي أن الطرفين جاءا متفقين في معظم القضايا، مما سهل مهمتهم، وناشد صلوحة المركز أن (يحرس) الصلح ويدعمه بقوة، مع توفيرآلية فاعلة لتنفيذ القرارات. الأمير .. خير وبركة تصدت ولاية غرب كردفان، إلى طي صفحة الخلاف، وقدم والي الولاية الأمير/ أبو القاسم الأمين بركة نموذجاً لرجل الدولة الذي يتحمل المسؤولية، حتى وإن كانت خارج دائرته، وضرب مثالاً في الإخاء، وأثبت بالفعل أنه ينحدر من بيت إدارة أهلية، يطفىء الحرائق بماء المؤازة، فكان طبيعياً أن تستضيف ولايته اشقائهم من شرق دارفور، و(تعتقلهم) في سجن (الجودية) .. ولعل خبرة بركة الكبيرة ومعرفته بمشاكل أهله في دارفور كانت عاملاً مهماً ساعد في حسم خلافات الطرفين، وسبق ذلك متابعة مساعد الرئيس للملف ولكن بالمقابل، وقف بركة في المنطقة الوسطى رغم أنه ينتمي إلى إحدى القبيلتين المصطرعتين، وقام بدورة كرجل إدارة أهلية قبل أن يكون والياً. طوت غرب كردفان بعضاً من مشاكل شقيقتها شرق دارفور، لتفتح ذراعيها لرئيس الجمهورية المشير عمر البشير الذي يزور الولاية. وهيأت بذلك نفسها لمرحلة جديدة وهي تستقبل الرئيس في توقيت مهم، وقد قال لي معتمد غبيش د. عبد الرحمن الدقم : (ننتظر زيارة السيد الرئيس بفارق الصبر). وقال الوالي أبو القاسم بركة طوينا ملف دامي أسود ودامي،ووجة رسائل إلى الرزيقات : (أنتم تمثلون البيت الكبير، الذي يجمع ولا يفرق، والبيت الكبير بشيل في الدًّبر)، وطالبهم أن يفتحوا المجال واسعاً أمام الآخرين، وفي نصائحة إلى العقاربة قال: (أدعوكم إلى فتح صفحة جديدة وأمضوا في إتجاة الاستقرار) اختيار نوعي اختار مساعد الرئيس الوفد المرافق له بعناية فائقة لما لهم من صلة بالأمر سواء رحم أو علاقة رسمية أو تنظيمية، حيث رافقة وزير الحكم الاتحادي د. فيصل حسن إبراهيم، الذي ظل متابعاً للملف بشكل دقيق من واقع منصبه، وقد اعتبر يوم الصلح يوم فرح وسرور وتطايب للنفوس، ومن المرافقين لحامد وزير الدولة بالتجارة الصادق محمد علي – ابن شرق دارفور – والذي يقود مبادرة حالياً تهدف لرسم واقع جديد بشرق دارفور للإتجاة للتنمية عقب إكمال عملية السلام والسلم الإجتماعي، وقد ظل الصادق على تواصل مع الأطراف بالولاية. وضم الوفد ممثلين للمجلس الوطني بينهم حسب الله صالح، نائب أمين أمانة كردفان والنيل الأبيض بالمؤتمر الوطني، والمتخصص في المصالحات محمد عيسى عليو، وممثل شرق دارفور بمجلس الولايات محمد عثمان حراز. إبراهيم .. هندسة الاتفاق رصدت مساعد الرئيس المهندس إبراهيم محمود يدون في مفكرته كثير من الملاحظات، التي تقدم بها المتحدثين، ما يدل على اهتمامه بالتفاصيل وسد الثغرات، خاصة وأن بعضاً من الذين اعتلوا المنصة ناشدوا رئاسة الجمهورية مباشرة، بشأن بعض القضايا ذات الصلة بالصلح. واستصحب محمود معه في كلمته الضافية كثير من الآراء، وبالمقابل حدد مكامن الخلل، ورسم صورة حقيقة للاوضاع خالية من أي مساحيق، مؤكداً أن الحرب ليس فيها منتصر، والكل خاسر، ووصف من أوقد الفتنة بين الرزيقات والعقاربة بالمجرم الذي دمر القبيلتين، وأضر بالولاية وكل السودان. وأقر محمود أن الأمن لا توفره الحكومة لوحدها دون دعم المواطن، وأن المسؤولية الأولى للمواطن خاصة في دارفور، وقدم جملة من النصائح للقبيلتين أبرزها ضرورة التعاون مع الأجهزة الأمنية، وقطع دابر أي مجرم بالولاية، ونبذ كل من يسعى لزرع الفتنة، العمل على تحصين الصلح، ووجه محمود حديثه لناظر الرزيقات وطالبه بتبني مبادرة للصلح مع المعاليا، وتعهد حامد بدعم الاتفاق وجعله واقعاً بمعاونة الطرفين. الميرم أميرة الفاضل .. الوصول إلى (القيف) من أبرز الشخصيات المرافقة لمساعد الرئيس، عضو المجلس الوطني أميرة الفاضل، وهي متخصصة في السلام الاجتماعي، وقامت بدور كبير جداً عبر مركز دراسات المجتمع (مدا)- الذي تديره- في فض النزاعات وبناء وتعزيز السلام خاصة بدارفور، وقامت أميرة بجهود مقدرة في مجال السلام من خلال تدريب الحكامات والهدايين والشباب. أميرة ظلت في زيارات متواصلة لولايات دارفور حتى أنه أُطلق عليها لقب (الميرم)، وهي تعني السيدة الأولى في ممالك الفور القديمة. ولم يصعد متحدث للمنصة إلا وإمتدح أميرة، وكانت الشهادة غير المجروحة من ناظر عموم الرزيقات محمود موسى مادبو، الذي تقدم بالشكر لأميرة، وقال لها وكانت على بعد خطوات منه جلوساً في الصف الأول: (نشكرك شلتي معانا هم كبير حتى وصلتينا القيف، والجماعة ديل لزونا ورمونا في البحر) وأضاف : (أختنا أميرة دي مساهماتها كبيرة، ما بنقدر نشكرها). ناظر الرزيقات .. حديث بطعم العسل كان حديث ناظر الرزيقات محمود موسى مادبو مؤثراً، وقوياً وهو يؤكد أن العقاربة أهلهم ودمهم ولحمهم وأحبائهم ودعا ل (لم) الشمل، وإمتدح دور الأجاويد وشرح في كلمات بسيطة ولكنها عميقة (كشحوا لينا العسل في الدقيق، والباقي علينا، نأكل بالكوريك أو الملعقة أو اليد) وتعهد لمساعد رئيس الجمهورية بأنه إذا أتى إليهم مرة أخرى سيجد (الماعون خالياً)، ودعا الناظر العقاربة لمدينة الضعين وقال: (ضغائن مافي) وفتحنا صفحة جديدة ضحك الحضور لحديث مادبو، عندما خاطب والي شرق دارفور أنس عمر وقال له عندك (مخدتين، مخدة الأمن أتوسدها ونوم، ومخدة التنمية ماتنوم فيها) ثم أكد له أن الإدارة الأهلية تحت أمره، ولو أراد أن يقود بها عملية عسكرية، فهم معه أنس عمر .. سعادة بالغة كان والي شرق دارفور أنس عمر أسعد الحضور، وولايته تطوي صفحة سوداء من صفحات القتال والبغضاء بمعاونة من أخيه والي غرب كردفان، وقال في كلمته المقتضبة أنه مؤتمر للتصافي وحقن الدماء، وأن الولاية فاتها الكثير وتحتاج إلي الكثير، وقد أقعدتها النزاعات والخلافات، وأضاف نحتاج إلى أن نتجاوز الآلام، ونتعشم أن نتنسم أجواء آمنة مطمئنة، وبدا واثقاً من تجاوز تلك المرحلة بعزيمة وإرادة أهل شرق دارفور. توصيات مهمة جاءت وثيقة الاتفاق مؤمِّنة على كل القضايا والوسائل التي تحقق مقتضى الصلح وسيطرة الدولة، والإمتثال للعفو وبدء خطوات التنمية وتوفير الخدمات واستدامة الصلح، ومن أهم ما تم في الصلح هو عفو الطرفين عفواً كاملاً ولوجه الله تعالى، وأقر الطرفان محاربة المتفلتين والخارجين عن القانون وملاحقتهم والتبليغ الفوري عنهم، وتمكين الدولة من بسط هيبتها وتنفيذ القانون والتعامل مع أي خرق يحدث باعتباره حالة فردية، وتواثقوا على تطبيع الحياة بينهما وتناسي المرارات، وتم تحديد قيمة الديات واستبعاد الخسائر حسب رغبة الطرفين، حيث عفا كل طرف خسائره للآخر، كما تم اعتماد تعويضات الجرحى وحددت قيمتها، وشدد الاتفاق على تنظيم حركة الرُّحل وخط سير العقاربة الراحلين