منعم حمزة اسم اشتهر في السودان منذ سنوات في عالم الكاريكاتير، عكس الواقع وسخر من أوساط مختلفة بينها الرياضى والسياسي، إلا أنه غادر البلاد إلى أوربا لتفتقد صحافتنا علماً ربما يكون نسخة واحدة لن تتكرر، ولكن عزاء عشاق الفن أنه واصل إبداعه من منصات أخرى، حيث يقيم في النرويج، ولما ظل حاضراً في ذاكرة الوسط الصحفي ومناشطه وما زال مكانه شاغراً، رأت آخر لحظة أن تتواصل معه وتحاوره حواراً يسبر أغوار جانب من حياته ويتتبع الحياة الإبداعية فيه وتقلباتها.. تحدث عن دراسته وعمله والمواقف الصعبة التي مر بها، من أفرحهم والآخرون الذين أغضبهم برسمه، أفراحه وأحزانه فأطعمنا المتعة بحديثه الشيق وترك فينا مسحة حزن لبعده عنا ولحاجة وطننا ووسطنا له. أجراه: لؤي عبدالرحمن أستاذ منعم حمزة - الميلاد زماناً ومكاناً والحياة الخاصة؟ -الميلاد ذات أمسية خريفية تخص مواليد برج الجوزاء من العام 1956 بحي البنيان جوار خزان سنار. -الابتدائي ببركات ثم ودمدني الثانوية ثم دبلوم الإخراج التلفزيوني والرسوم المتحركة – القاهرة، ثم بكالوريوس القرافيك من كلية الفنون الجميلة - جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. -متزوج من الراحلة التشكيلية إحسان صديق ومتزوج من الدكتورة السايكولوجية غادة متوكل - ونصف دستة عيال ثلاثة من كل زوجة.. عمكم محمول (محمول المليجي). لماذا اخترت الرسم والفن التشكيلي؟ -هو الذي اختارني منذ نعومة أظافري.. ففي كل المراحل وجدت نفسي رسام المدرسة.. أعشق الرسم لدرجة الجنون.. أرسم وأنا نائم.. في الأحلام.. هو كل حياتي.. ثم اقترن الأمر بملكة التأمل في الكون وتصاريفه. كيف كانت مسيرتك الفنية في البدايات؟ -لم تكن سهلة.. خاصة في انعدام التكنولوجيا في ذاك الزمان.. كما أن المنافسة كانت عالية لإثبات الذات.. كما أن نظرة المجتمع لأهل الفن عموماً كانت محبطة.. ويعتقدون أن خريج الفنون ما هو إلا مدرس للرسم بالثانويات. تقييمك لتعامل الأوساط السودانية مع الفن التشكيلي؟ -للأسف ما زالت النظرة قاصرة والبعض لا يدرك قيمة عملنا ويعتبرونها مجرد شخبطات.. علماً بأن الفن التشكيلي اليوم يدخل كل حياتنا وبلا استئذان من علبة الكبريت وتصميمها وإخراخ هذه الصحيفة إلى تصميم القاطرات والطائرات.. المسألة تحكمها درجة الوعي ومساحة التذوق الفني وهي صعبة لمجتمع لم يتجاوز مرحلة هموم إيجاد لقمة العيش. رسم الكاريكاتير.. ما هي قصته؟ -بدأ الكاريكاتير عندي بحكم طبيعتي المتمردة.. والميل دائماً للإصلاح والتقويم.. فنحن جيل تربى على الصراط المستقيم.. البدايات كانت بالجامعة كمشاكسات ضد الإدارة وسياسات التعليم الفاشلة حينها.. ثم تحول للصحف في العام 1986.. أنا الآن أحتفل بمرور (30) عاماً كرسام كاريكاتير محترف. أول رسم كاريكاتيري.. ماذا عنه؟ -منذ البدء وضعت نفسي في خانة الرسم السياسي.. وأول رسم كان ضد التحزبات السياسية بالجامعات وكان بعد خسارة الاتجاه الإسلامي للانتخابات بجامعة الفرع (النيلين حالياً)، وتعبير يقول (كوزكم طار.. شوفوا ليكم تيبار)!! مشوارك الصحفي؟ -بدأت بصحيفة الاتحادي مع د.الباقر محمد عبد الله.. والغريبة أنتهيت معه أيضاً بصحيفة الخرطوم.. ثم انتقلت لصحيفة السوداني لمؤسسها محجوب عروة وصادفت فيها أستاذي صلاح عمر الشيخ الذي شجعني وأفرد لي مساحة يومية بالصفحة الأخيرة في العام 1987.. ثم اغتربت إلى ليبيا وعملت كمخرج ورسام.. بصحيفة صوت العرب ثم عدت للوطن بعد خمس سنوات لننشئ صحيفتي قلب الشارع ونبض الكاريكاتير لمالكهما الأستاذ محمد محمد أحمد كرار.. وكنت رئيس التحرير.. وتلك كانت الفترة الذهبية للكاريكاتير.. حيث جمعنا كل رسامي الكاريكاتير وكتاب الكلمة الساخرة في (24) صفحة ملونة. كم كان راتبك في تلك الصحف؟ -لا أذكر الرقم ولكنه كان أعلى راتب صحفي بالسودان لا يساويني فيه إلا الأستاذ إدريس حسن بصحيفة السوداني الدولية أو الرأي العام لا أذكر.. إذ كنا نطبع (150) ألف نسخة وهو رقم يعادل ما تطبعه كل صحف الخرطوم مجتمعة. عقبات واجهتك بالسودان؟ -كثيرة جداً.. من رؤساء التحرير من جهة ومن مجلس الصحافة بالإنذارات والإيقاف من جهة أخرى.. ثم الاستدعاءات المتكررة من السلطات.. وتعرضت للحبس كذا مرة.. ثم تهديدات الجماعات الدينية المتشددة.. ثم غضب إدارات الأندية الرياضية.. طبيعة المجتمع السوداني أنه لا يقبل النقد ويعتبرونه إساءة وقد يكون هذا سبب تخلف الكثير من المرافق الحيوية بالدولة. رسم كاريكاتيري عالق بذهنك؟ -الكثير.. المثير.. الخطر.. ولكن يبقى كاريكاتير المسحراتي هو الأقوى (المسحراتي في أمبدات.. والمسحراتي في الصحافات.. والمسحراتي في المنشية) كان الرسم في زمن هيمنة الراحل الترابي.. ومن خلال كوادر الرسم الثلاثة يتضح حجم الفوارق بين فئات المجتمع. لوحة رسمتها وتميزت؟ -اللوحة التي لا تتميز أعدمها فوراً أو أعيد صياغتها.. لوحاتي هي أولادي.. وتبقى اللوحة الأجمل هي لوحة عيالي الحقيقيين.. ابتداءً من البكر الباشمهندس مازن وحتى الحتالة مصطفى الذي دخل المدرسة هذا العام. أسماء صحفية وفنية زاملتها؟ -لا تحصى ولا تعد.. فقد طفت خلال هذه الثلاثين عاماً معظم الصحف والمجلات السودانية والعربية.. عدم الاستقرار وللأسف صفة تلازم الصحفي السوداني.. هي ليست مؤسسات بالمعنى المفهوم.. بل هي بيوتات وصحف مملوكة لعوائل وأفراد مما عرضها للهيمنة وأحادية القرار. شخصيات أثرت في حياتك العلمية والعملية؟ -أيضاً هم كثر.. وحسب المرحلة.. الشكر لأساتذتي بكلية الفنون ولمجتمع بركات وود مدني الراقي.. الذي علمني فنون الحياة.. ولأصدقائي الكاريكاتيرست المصريين ولأستاذي صلاح عمر الشيخ. رسم كاريكاتيري جلب لك غضب من استهدفتهم به؟ -أتحاشى إغضاب الناس حتى لا يؤخذ الأمر بصفة شخصية.. وأتحاشى نقد المذاهب والمعتقدات.. لكن في الرياضة أغضبت المريخاب حينما أصدرت كتاب الهلال الضاحك في العام 2005 حينما فاز الهلال بكأسي الممتاز والسودان.. لكنني الآن محايد أشجع اللعبة الحلوة. الكاريكاتير في السودان.. ماذا تقول عنه؟ - محاصر برغم توفر بعض الحريات.. والآن يوجد خمسة رسامين فقط بالصحف السيارة برغم أنهم (83) رساماً بالبلاد. متى خرجت من السودان وما هي القصة؟ -خرجت في العام 2011 للنرويج.. شعرت ولثلاث سنوات قبلها بأنني أعيش في غيبوبة.. أو قل (محنط) وكل الأمور أراها تسير للوراء.. خرجت والدولار كان بسعر (6) جنيهات.. الانهيار السريع كان مؤشرا خطيراً.. ومضايقات بعض الجهات عجلت برحيلي شعرت بأن الوطن أصبح كالهرة يأكل بنيه. كيف وجدت النرويج؟ -الطمأنينة. حلم كنت تود تحقيقه بالسودان؟ كنت أحلم بقاليري خاص أجمع فيه أصدقائي التشكيليين سودانيين وأجانب.. كما حلمت بوحدة إنتاج سينمائي خاصة للأفلام التوثيقية للسودان. صحافتنا وصحافتهم.. مقارنة بسيطة؟ -الصدق والمواكبة وعدم الإثارة هي ديدن الصحافة الأوروبية.. الإعلان لا يشكل لهم هاجساً كما عندنا.. فصحف الإعلان مخصصة لهذا الغرض. ما أعطته لك الغربة وما أخذته منك؟ -الغربة ضمنت لي مستقبل أولادي.. وحالتي الصحية.. فقد كنت أعاني من بلاوي على رأسها السكري اللعين.. كما عرفت علوم وتجارب وتكنولوجيا جديدة في الإنتاج الفني.. أعيش حياة نظيفة مرتبة وأشكو من عدم الهم.. والأهم هو قربي من الله وصلاة الصبح التي أصبحت حاضراً في وقتها.. كما أخذت الغربة مني أهلي و اجتماعياتي. وأنتم السودانيون بالخارج؟ -جدية ومثابرة عكس توقعاتي.. طموح بلا حدود.. درسوا وتوظفوا وامتلكوا المنازل الفاخرة والفلل والناشطون يقومون بخدمة الجالية على أكمل وجه. أخبار حزنت لها في الفترة الماضية وأخرى مفرحة؟ -تحزنني أخبار الفساد الذي استشرى، ويحزنني الوضع المعيشي للمواطن البسيط بما فيهم والدتي مثلاً.. فرحت لنجاحات أبناء بلادي بالخارج خاصة على المستوى العلمي.. وفرحت حين فوز الصغار بكأس البطولة العربية للمدارس بالدوحة. متى تتساقط دموعك؟ -عند نجاح عيالي. دموع الفرح كيف تنتزع الضحكة منك؟ -أضحك عندما أمتلك (الضحّاكات) الفلوس.. عندك فلوس على الشقا تدوس.. تبيت غراب.. تصبح طاؤوس. أشياء فقدتها في البلد؟ -ستات الشاي وقهوة الظهيرة.. وليالى المنتديات الجميلة ومحمد الحسن الجقر. مواقف خالدة عندك؟ -الموقف العظيم في 2011 أمام بيت الله الحرام وحجة الفريضة.. وبعدها مباشرة تفتحت الدروب الخضراء وغادرت. ماذا تعمل الآن؟ -عمل بتدريس الصغار الرسم والتلوين.. وأقيم معارض فنية فردية وجماعية.. وأمتلك استديو إنتاجياً بداري وأسعى لإكمال الماجستير. مشاركات خارجية لك؟ -آخر مشاركة مع جماعة (السلام للجميع)، وقد اجتمعت معهم قبل شهرين بباريس بغرض إقامة معرض كارتوني للسلام بصحيفة اللوموند بقيادة الكاريكاتيريست العالمي ميشيل بلانتو وسيقام المعرض بنهاية أكتوبر الحالي بباريس. شخصيات ثقافية وفنية تتواصل معها؟ -آخرهم الكاتب الروائي الأريتيري أبو بكر كاهال وقد كنت معه لزيارته بالدينمارك.. وبعدها زرت التشكيلي إسلام زين العابدين بباريس.. ثم زرت التشكيلي عادل بدوي بأمستردام وزرت النحات عبد الغني محمد نور بألمانيا.. كانت تلك حصيلة صيف هذا العام. رغبة العودة للسودان؟ -حالياً.. لا.. كبيرة.. (كدي النشوف نهاية فيلم الإسهلات المائية دا). إذا قدرت لك العودة للوطن.. ماذا أنت فاعل؟ -الله هو الفعال المريد.. والخير فيما يختاره الله.