الشاهد على الوضع الاقتصادي السوداني يرى بوضوح ارتفاع الأسعار وشدة الغلاء غير المبررر مع عدم وجود سياسة اقتصادية تكبح جماح هذه الأسعار لكل السلع الاستهلاكية المحلية منها والمستوردة وسط حالة من عدم الرضا من قبل المواطنين تجاه هذا الغلاء في جولة استطلاعية مع التجار والمواطنين والخبراء الاقتصاديين رصدت «آخر لحظة» رود الأفعال لمعرفة الأسباب التي أدت الى ذلك... في البدء التقينا بالمواطن عثمان الذي قال إن الزيادة ليست عادية بل هي فوق طاقة الإنسان فليس من المعقول أن يصل رطل السكر إلى جنيهين ورطل الشاي إلى 8 جنيهات وعندما تسأل التجار يتحججون بزيادة الدولار وقلة الوارد وأصبحنا لا ندري شيئاً ولازم نشتري مهما زادت السلع. ويقول عادل عمر الأسعار في زيادة غير عادية وفوق قدرتنا الشرائية ونحن ذوي الدخل المحدود فأنا مثلاً راتبي (400) جنيه فلا يمكن أن اشتري عيش في اليوم الواحد بسبعة جنيهات والمرتب لا يكفي بغض النظر عن متطلبات الحياة الأخرى وجاءت زيادة الأسعار لتقصم ظهرنا. وأضافت الحاجة نفيسة الحالة بقت صعبة شديد وعشان تعمل حلة ملاح محتاجة خمسة جنيهات غير سعر العيش والكسرة لأن الخضار واللحمة طارت السماء ما عارفين الحاصل شنو وعندما نسأل التجار يقولون الدولار زائد. أما أصحاب الشركات الدوائية فعزو ذلك الارتفاع إلى تذبذب سعر الدولار وتعويم العملة وأن الأدوية المستوردة تأتي من بدايتها بسعر عالي بالإضافة إلى الجمارك والضرائب الباهظة ويقول عبد الرحمن محمد صباحي صيدلي أسعار الدواء زادت زيادة خرافية وليست العادية وإن أسباب زيادة الأسعار هو تضارب في سياسيات الدولة وأن هناك تضارباً في أسعار الشركات وبعضها أوقفت البيع مما أدى إلى عدم تواجد الدواء في الصيدليات ولا نعرف من أين تأتي وأصبحت الشركات هي التي تحدد سعر الدواء حسب تصديقاتها عندما سألنا الشركات عن أسباب الارتفاع قالت إن الدولار غير ثابت والضرائب باهظة. أما تجار مواد البناء فارجعوا الأسباب إلى وزارة المالية وسعر الدولار غير الثابت مما أدى إلى الزيادة الخرافية في أسعار الحديد والزنك والسيخ فمثلاً السيخ ارتفع الطن منه إلى 3800 جنيه بدلاً من 2.800 جنيه والكمر المتر ارتفع إلى 39 جنيهاً بدلاً من 32 وهو يأتي مستورداً فكان الاعتماد في السابق يفتح 2.300 والآن 2.920 جنيه أما الزنك فكان اللوح ب 60 جنيهاً والآن 79 جنيهاً وأصبحنا لا نشتري بل نبيع القديم الموجود مما أدى إلى حالة من الترقب والحذر وسط التجار من تراجع الطلب على الشراء ونتوقع أن ينفجر سوق مواد البناء. ويقول تجار السلع التموينية إن الأسعار زادت بصورة ملحوظة عما كانت عليه في الأيام الماضية فمثلاً وصل سعر جوال السكر إلى 185 جنيه سوداني بعد أن كان سعره قبل يوم واحد 170 جنيه ووصل سعر جوال الدقيق العبوة 25 كيلو إلى 45 جنيهاً كما وصل سعر كيس لبن البودرة 2 كيلو إلى 35 جنيهاً.. إلخ وعزا التجار أسباب الزيادة لارتفاع أسعار السلع المستوردة وكذلك ارتفاع سعر صرف الدولار وأن كل هذه الأسعار قابلة لزيادة على حسب زيادة الدولار. وبالنسبة إلى تجار الخضروات والفواكة عزوا ارتفاع الأسعار إلى قلة الوارد في الأسواق ووصل سعر كيلو الطماطم إلى (5) جنيهات بدلاً من 3 جنيهات وأيضاً ارتفاع الدولار أثّر على القوة الشرائية وأن الزيادة الخرافية كانت بالنسبة للفواكه مما أدى إلى عزوف المواطنين عن شرائها وأن الأسباب هي قلة الاستيراد ودخول فصل الشتاء وأيضاً اتجاه المواطنين لشراء السلع الضرورية مثل السكر والخبز إلخ.. أما تجار الملبوسات فأكدوا ارتفاع الأسعار وعزو ذلك إلى أسعار الملبوسات المستوردة وأنهم يتعاملون مع الشركات وهي التي زادت الأسعار وبررت ذلك بارتفاع سعر الدولار وأن هناك ارتفاعاً في سعر الملبوسات الشتوية نسبة لدخول فصل الشتاء حيث ترتفع فيه أسعارها. أما الخبير الاقتصادي دكتور محمد الجاك أحمد أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم فقال إن الأسباب داخلية وخارجية أهمها السياسات الاقتصادية التي تتبناها الدولة فهي سياسات غير داعمة للإنتاج والمؤسسات وهي لا تخفز المستثمر وهي في الواقع سياسات إنكماشية تنعكس في زيادة الضرائب وأيضاً تخفيض التغذية ولذلك تتميز برفع الدعم عن السلع الضرورية وهذه السياسة بطبيعتها تؤدي إلى ارتفاع الأسعار فيكون الطلب على القوى الشرائية أكبر من العرض والسلع والخدمات. وهناك ما يرتبط بعدم التنظيم وعدم تدخل الدولة بعمل الترتيبات الضرورية التي تمكنها من التحكم في الأسعار وعدم وجود إدارات حكومية تستطيع أن تتدخل في الوقت المناسب لإزالة الاختلال الذي يحدث في الأسعار وليس هناك مؤسسات لإدارة التمويل والإشراف على توزيع السلع حسب الحاجة من حالة العجز الذي يحدث ومؤسسات تهتم بالاحتفاظ بمخزون من السلع يمكن الاستفادة منه في وقت العجز وانحسار العرض من هذه السلع. وأيضاً من أسباب ارتفاع الأسعار ما يتصل بزيادة تكاليف الإنتاج وهذا مرتبط بصورة أساسية بزيادة أسعار مدخلات الانتاج خاصة المدخلات المستوردة وهذا بدوره مرتبط بأسعار الدولار والصرف للعملات الأخرى فارتفاع أسعار الدولار برز بصورة أساسية في الوقت الحاضر حيث تتجه السياسة التي أعلنها البنك المركزي والتي يجاري فيها أسعار الدولار في السوق الأسود فبدلاً من أن يتحكم البنك في سعر الصرف أصبح يقلد ما يحدث في السوق الموازن من خلال تقديم سعر الصرف وبالتالي فإن استمرار هذه السياسة سيجعل الأسعار في تصاعد مستمر. ويرى أيضاً أن الرسوم غير المقننة التي تفرضها السلطات المحلية على العديد من السلع والتي تعتمد عليها في التمويل والخدمات والمشروعات المحلية التي تتبناها سبب وأن الدولة المركزية لا تقدم من الدعم ما يكفي حاجة هذه السلطات المحلية ولا توجد في البلاد فيدرالية مالية تتماشى مع الحكم اللامركزي الذي تتبناه الدولة أيضاً من أسباب ارتفاع الأسعار. أيضاً من أسباب ارتفاع الأسعار العجز الداخلي وهو يرتبط بطبيعة الأسواق في السودان فالأسواق كغيرها من الاقتصاديات النامية تنعدم فيها المنافسة وهي أسواق احتكارية بأشكال الاحتكار المختلفة وفي هذه الأسواق الأسعار تتميز بالتصاعد لأن تحديد الأسعار فيها يتم بحيث أن سعر الوحدة أكبر من تكلفة إنتاجها وتسمى احتكارية خلاف الأسعار التنافسية حيث تتحدد بتعادل التكلفة مع الإيراد وسعر البيع بطبيعة الأسواق في السودان هي السبب في الاتجاه المتصاعد للأسعار. أما على المستوى الخارجي فإن تصاعد الأسعار يعزى في الأساس إلى السلبيات التي صاحبت الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من زيادة في معدلات البطالة وكذلك انحسار تدفق الاستثمارات الرأسمالية وبالتالي فإن الأسعار على المستوى العالمي بدأت في تصاعد وبما أن السودان يعتمد على السوق العالمية فيما يخص توفير خدمات الإنتاج الضرورية لبعض الصناعات وأيضاً يعتمد على السوق العالمي في تغطية العجز في السلع الضرورية وخاصة الغذائية نتيجة لذلك فإن تكاليف الإنتاج للسلع محلياً ترتفع وينعكس ذلك على أسعارها في السوق وبالمثل مع انخفاضها وخاصة الغذائية نتيجة لذلك فإن تكاليف الإنتاج للسلع محلياً ترتفع وينعكس ذلك على أسعارها بالسوق وبالمثل مع انخفاض قيمة العملة المحلية فإن السلع المستوردة يتم عرضها بأسعار مرتفعة كذلك الدولة أقدمت على زيادة الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة وهذا بدورة يؤدي إلى ارتفاع وزيادة الأسعار داخلياً. أيضاً على المستوى الخارجي يواجه السودان حصاراً اقتصادياً مما يجعل حرية الحركة من السوق العالمية محدودة وفي هذه الحالة قد يخضع لشروط تجارية متدهورة فليس أمانة في البدائل الكثير وبالتالي قد يميل في بعض الأحيان لقبول شروط مجحفة وبالتالي قد يستورد احتياجاته بأسعار مرتفعة فمثلاً في حالة الاستثمار في صناعة البترول لم يكن لدى السودان خيارات كثيرة وبالتالي ارتضى بما عرض عليه في شروط الصين على الرغم من أنها شروط مجحفة نتيجة لذلك أصبحت مصادر السلع المستوردة محدودة ولا تمكن البلاد من اللجوء إلى مصادر أقل تكلفة وأقل سعراً. ويرى دكتور محمد الجاك أن الظرف الحالي في السودان والخاص بالاستفتاء أيضاً من الأسباب فإن خيار الانفصال قد يجعل السكان يضعون توقعات متشائمة من حيث أن هناك عدم استقرار سوف يحدث وستشهد الكيمان المتوفرة من السلع الضرورية عجزاً أو ارتفاعاً في أسعارها وهذا قد يدعو بعض الناس إلى تخزين كميات من السلع المختلفة. أما الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم دكتور أبو القاسم محمد أبو النور فيرى أن ارتفاع الأسعار يرجع إلى عدة أسباب منها التوقعات حول مصير الجنوب بعد الاستفتاء والبحث عن بدائل البترول وعوائده للشمال وأيضاً الضرائب الباهظة بالإضافة إلى أن هيكل السوق يميل إلى المنافسة غير الكاملة (الاحتكار) وأيضاً من الأسباب الأخرى تدهور سعر الصرف في العملات الذي أدى إلى تدهور أسعار الواردات. وربما أن هناك اتجاهاً نحو الشراء الهلعي تحسباً بما يمكن أن يحدث بعد الاستفتاء وأيضاً لم تتم معالجة الأجور والتعويضات مما جعل الدولة تزيد الأسعار. وسعى البعض إلى اكتناز العملة الأجنبية مما أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار المتوقع أن يصل سعره إلى خمسة جنيهات ونصف الجنيه.