الحوار الوطني هو أقصر الطرق وأنجعها لانتشال السودان من الإنزلاق في الفوضى المدمرة، التي يدور رحاها حولنا والتي وصلت حدودنا.. تنفيذ توصيات الحوار- ولا أقول مخرجات الحوار- لأن (مخرجات) هذه كلمة غير مناسبة إذا تعمقنا في معناها واستعمالاتها، لأن لكل مخرجات مدخلات والمدخلات في أية عملية تمر بمراحل مثل الأكل من سلامة الاختيار والهضم عبر مداولات جادة، تؤدي الى نتائج وتوصيات وما يتبقى منها خارج التوصيات هو المخرجات التي يتم التخلص منها.. لتأكيد ضرورة الانخراط الجاد في مراحل الحوار الأخيرة، والسعي لسرعة تنفيذ التوصيات نورد الحقائق التالية: أولاً: السودان الآن أكثر دولة في المنطقة أمناً بدليل النزوح غير المسبوق من جنسيات كثيرة، انزلقت دولها في فوضى واحتراب أو ضيق في العيش الكريم. ثانياً: العاصمة تعداد سكانها لا يقل عن إثني عشر مليوناً واختل فيها النسيج الاجتماعي والترابط الأسري بسبب النازحين من داخل وخارج البلاد، وبذلك تصبح تربة خصبة حاضنة لخلايا نائمة منظمة وغير منظمة، تهدد الأمن الذي نعيش فيه الآن، ولولا جدارة أجهزة الأمن بشقيه الاستخباري والمتمثل في جهاز الأمن والمخابرات والتنفيذي المتمثل في قوات الشرطة لانفرط عقد الأمن، خاصة بعد العمليات العديدة في ضبط مخازن وشحنات أسلحة فتاكة وتدفقها داخل السودان وداخل العاصمة. ثالثاً: نجاح الحكومة في عملياتها العسكرية في مواجهة المجموعات المسلحة في دارفور وفي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتزامن ذلك النجاح مع الدعوة الصادقة للرئيس البشير في المصالحة الوطنية عبر انجاح الحوار، واصراره على مواصلة دعوة الممانعين للإنخراط في الحوار الوطني، وتأكيده على تنفيذ توصياته خاصة في جانب الحريات بالرغم من المطبات والعراقيل التي يضعها بعض القياديين في حزبه في طريق تنفيذ التوصيات كاملة، خاصة فيما يتعلق باستحداث منصب رئيس وزراء ومجلس وزراء تؤول له كل السلطات التنفيذية، على أن يكون رئيس الوزراء شخصية قومية مقبولة وليس رئيس الجمهورية، حتى لا تنهار فلسفة فصل السلطات- الآن الخلاف انحصر في كيفية اختبار وإقالة رئيس الوزراء، ولنا رؤية في ختام المقال لحل تكاملي بين الرأي الذي يطالب بأن يتم الاختيار والإقالة بواسطة رئيس الجمهورية، والرأي الآخر الذي يطالب بالاختيار والإقالة عبر البرلمان. رابعاً: تواصل استهداف السودان دولياً وفق مخططات الأيدي الخفية العالمية لزعزعة أمن المنطقة في الشرق الأوسط وافريقيا جنوب الصحراء، حتى تتم إعادة رسم خارطة المنطقة في دويلات ضعيفة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي تتعرض الآن لهجمة شرسة من أمريكا.. تواصل استهداف السودان في مداولات وطلب مجلس الأمن في الرابع من اكتوبر الحالي والقاضي بدعوة السودان للتعاون الكامل في التحقيق حول استخدام أسلحة كيميائية في جبل مرة بدارفور.. قادت هذا التوجه فرنسا وساندتها بريطانبا، حتى وافق مجلس الأمن على اجراء تحقيق مستقل بواسطة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وبان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة يصرح بأنه لا يمكن معالجة الحالة في دارفور على نحوٍ كاملٍ بدون استراتيجية تعالج التهديد، الذي يمثله حاملو السلاح ودوافعهم.. وأضاف أن تطبيق نظام عادل لإدارة الأراضي والموارد هو الطريقة الوحيدة لضمان الأمن المستدام.. الأمين العام لإدارة عمليات حفظ السلام ايرفيه لادسوس قال: إن الأممالمتحدة ليست لديها أدلة على استخدام أسلحة كيميائية، لكنه كشف عن نقطة مهمة ومؤثرة جداً بقوله: (إن قوات حفظ السلام من بعثة اليوناميد المشتركة مُنعوا من السفر الى تلك المناطق للتحقق من التقارير)، السفير الروسي في مجلس الأمن فيتالي تشوركين الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس الأمن هذا الشهر، اعترض في بادئ الأمر لكن عاد قائلاً للصحفيين: (إن مجلس الأمن لا يمانع في حال قررت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فتح تحقيق رسمي)، وهذا ما حدث. أرجو أن أشير الى التشابه في المخطط قبل غزو العراق الذي بدأ باتهام العراق باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، ثم تبع ذلك بيان البرلمان الأوروبي في 6 أكتوبر والذي سار في نفس الخط. أعود من حيث بدأت مناشداً الممانعين والمعارضين والمتوجسين خيفة من انفاذ توصيات الحوار الى السمو والتحليق فوق الصغائر والمرارات وكراسي السلطة، والانخراط الصادق في الحوار الوطني وتنفيذ كل بنود الوثيقة الوطنية الختامية، لأن البديل فوضى ودمار مخطط له بعناية لن يحفظ للمعارضة أرضاً تحقق فيها أهدافها، ولن يترك للمتوجسين خيفة مناخاً مثل الذي هم فيه الآن، وكلنا نصبح بعده كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. الحلول: أولاً: يجب انضمام الممانعين والمعرضين للحوار الوطني، ولن يوصد الباب بعد العاشر من اكتوبر، وهناك متسع من الوقت لا يقل عن ثلاثة أشهر لمزيد من التجويد للوثيقة الختامية للحوار الوطني. ثانياً: فيما يتعلق برئيس الوزراء أرى أن نحفظ النظام الرئاسي وسلطات رئيس الجمهورية مع احترام الهيئة التشريعية القومية، وذلك بأن يقوم رئيس الجمهورية بترشيح ثلاثة أسماء من الشخصيات القومية وتقديمها للبرلمان، ليختار واحداً منها بالتصويت، بعد أن يدلي كل واحد منهم ببرنامجه لإدارة السلطة التنفيذية.. يقوم رئيس الجمهورية بتحديد الوزارات على أن لا تتعدى عشرين وزارة، وترشيح ثلاث شخصيات لكل وزارة يختار رئيس الوزراء المنتخب واحداً منها لكل وزارة.. إقالة الحكومة ورئيس الوزراء بتوصية من ثلثي أعضاء البرلمان لرئيس الجمهورية يصادق عليها وتعاد العملية مرة أخرى- بذلك نحافظ على النظام الرئاسي وصلاحيات رئيس الجمهورية العالية، ونحترم السلطة التشريعية، لأن رئيس الجمهورية عندما يحدد الشخصيات الثلاث تكون له حرية مطلقة، والبرلمان له حرية مقيدة في ثلاثة خيارات- طريقة الإقالة بواسطة البرلمان تعضد من الدور الرقابي له على الجهاز التنفيذي. ثالثاً: حفاظاً على استدامة الاستقرار يجب أن يتولى الرئيس البشير رئاسة المؤتمر الوطني بعد انتهاء دورته الأخيرة في رئاسة الجمهورية في أبريل 2020.