دخل المنزل ويداه محملتان بما ينوء من حمل الأكياس.. وركل الباب بإحدى رجليه وهو يصيح بصوت جهور يا أولاد أنا جيت تعالو امسكوا.. وما أن سمعوا الصغار ذاك النداء حتى تسابقوا نحو والدهم في فرح وشوق.. فترك الأكياس أرضاً وأخذ يعانقهم في حنو وحب.. ثم أخذ الأبناء ما يخصهم وتركوا بقية الأغراض مبعثرة على الأرض.. فجاءت الأم متضجرة مهرولة ولملمت ما تبعثر ثم مضت إلى المطبخ دون كلام.. (بيني وبينكم تصرف يغيظ ويفور الدم في النخاع الشوكي).. لكنها تحاملت على نفسها وردت على زوجها بكل ذوق وابتسامة حين سؤاله عن أحد أشيائه وقالت في نفسها إن عاتبته لفعله سيغضب ويثور ويظن أنني لا آبه لتعبه طول اليوم خارج المنزل لتوفير حياة كريمة لي وأبنائه.. ثم طلب منها ابنها بعض الفواكه فأعطته بابتسامة وفضلت عدم زجره وتأنيبه لتركه الأشياء هكذا.. وقالت لو زجرته سيبكي وقد يرفض الأكل مما تنعكس نتائجه على بقية أفراد البيت.. وهونت علي نفسها بأنهم أطفال.. سيتعلمون رويداً رويداً.. وقالت مهدئة من روع نفسها إن هذه أشياء صغيرة يجب أن نقفز عليها بعدم ردة الفعل المضاد ونحن فعلياً نحتاج أن لا نقف عند الأشياء المزعجة كثيراً حتى لا نفتح أبواباً يصعب إغلاقها.. يجب علينا أن (نفوت بتشديد الواو لبعضنا) لنمضي في رحلة الحياة بسلام وأمان ولو لاحظنا أن معظم (المشاكل والنقة) تفاصيل حياتنا الخاصة والعامة تبدأ بالمناورات الكلامية وفتح خطوط النار بالكلام الساخن من كلمة أو موقف أو حتى نظرة (حقارة في غير موضعها).. لنحول دفة الحديث إلى سيل من العرمرم المثقل ببذئ القول وقبيح الفعل.. وتبدأ (الجوطة) والمعارك الكلامية في غير معترك.. فالنار تبدأ من مستصغر الشرر.. لتتوفر كافة أدوات الشجار من مخزون الخلافات المؤدية إلى قطع رحم أو هجران صديق وحبيب أو طلاق...الخ.. فنحن نحتاج أن نداوي أنفسنا بروشتة الصمت والتغافل.. فإن تسعة أعشار حسن الخلق من التغافل والانصراف عن سفاسف الأمور والكلام.. فلن يضيرنا شيئاً إن أعرضنا عن المسببات واقتنعنا ببساطة الأشياء المزعجة مما يجعلنا نتقبل الآخر بطيب قلب وبشاشة مشاعر.. ونتعامل بسلوك راقٍ في جميع تعاملاتنا.. العمل.. السوق.. المواصلات.. فالأشياء المستفزة كثيرة ولا يكاد يخلو يومنا من كدر أو ضيق صغر أم كبر.. ولنطبق هذا المثل الشائع (طنش.. تعش.. تنتعش). *سوسنة يزعجني ذلك الصمت الصاخب على كثير من الأشياء التي تحتاج إلى صراخ وعويل.