*مداد كثيف سال خلال الأيام القليلة الماضية حول حكاية رئيس الوزراء (المنتظر).. وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الداخلي، الذي أنهى أعماله في العاشر من أكتوبر الحالي. *حكاية تذكر المرء بحجاوي الجدات.. ونحن أطفال، وهن يهدهدن ظهورنا ليلاً لننام.. حجاوي (ود النمير وفاطنة السمحة) وغيرها.. كنا نتابعها بشغف وسنان ونرسم في مخيلاتنا الصغيرة صوراً ونقيم مسارح متحركة لتلك الصور.. حتى نلامس سقف التصديق قبل أن يدهمنا النوم ليحولها إلى أحلام لذيذة. *يتحدث الجميع الآن ويكتبون، عن رئيس وزراء (وحكومة قومية) وبرلمان موسع، يأتي كل شخوصه أوشخوصها ب(التعيين)... رئيس وزراء معين.. وحكومة معينة.. وبرلمانيون (ضيوف) يضافون إلى النواب المنتخبين.. لتكون هذه بمثابة (الآلية) التي تُنفذ مخرجات الحوار أو (تنزلها إلى أرض الواقع) كما يحلو للمتحاورين أن يعبروا. *موضوع أو أحجية رئيس الوزراء أخذت حيزاً أكبر من كيفية تشكيل (الحكومة القومية) المفترضة والنواب الإضافيين، فسودت الصفحات حولها وتناقلتها الأسافير.. فمن قائل إنه لن يخرج من إطار رموز الحزب.. وآخر يرى أنه لا بد أن ياتي من (حزب كبير) من أحزاب الحوار.. وثالث يفضل أن يكون محل اتفاق بين أطراف الحوار وأن يتم تعديل الدستور، بحيث تخصص له بعض الصلاحيات حتى يكون محاسباً تحت قبة البرلمان، وهو لن يكون كذلك إذا ما ترك أمر تعيينه لرئيس الجمهورية، فمن يعين هو من يحاسب برأي هؤلاء. *لكن تبقى أصل الفكرة.. وباستذكار أدبيات النقاش الذي رافق انبثاق مبادرة الحوار، نجد أنها ارتبطت - كمحاولة تلطيفية- لموضوعة تقاسم السلطة في نظام جديد يتدرج نحو التغيير والتحول الديمقراطي.. وقال به من كانوا ينادون بحكومة (انتقالية) وليست (قومية) كالتي انتهى إليها المتحاورون نزولاً عند رغبة الحزب الحاكم. *حكى زميل صديق للدكتور الترابي، ونحن نتداول ونتأمل حكاية رئيس الوزراء (المنتظر).. أن الدكتور الترابي - رحمه الله- كان من المنادين بأن تدار (الحكومة الانتقالية) بواسطة رئيس وزراء تخصص له (الصلاحيات التنفيذية) التي تمكنه من إنجاز مهام الحكومة باستقلال نسبي عن سلطات رئيس الجمهورية، الذي ستنحصر صلاحياته وفقاً لتعديلات دستورية في (السلطات السيادية).. لكن يبدو أنه برحيل الترابي وتضاؤل ثقل حزبه (الشعبي) في موازين الساحة السياسية، تراجع حلم (الحكومة الانتقالية) إلى أضغاث (الحكومة القومية) التي لا تعني سوى استمرار و(تأبيد) النظام السياسي القائم.. تأبيد يقتضي أن يكون رئيس الوزراء (المنتظر) ليس أكثر من موظف في طاقم رئاسة الجمهورية، ينوب عن الرئيس في إدارة جلسات مجلس الوزراء، وينقل إليه خلاصة المضابط والملفات ويأخذ عنه القرارات لإعلانها. *أما (الحكومة الانتقالية) المعينة و(كوتات) النواب المعينين فلن يكونوا أكثر من تعبير موسع يكرس (المحاصصة) التي طالما رفضها القوم: بحجة أن المهم (ليس من يحكم السودان، بل كيف يحكم السودان).. وإذا بنا ننتهي إلى العكس.. فتحول الأمر برمته إلى (توسيع في المجالس) تماماً كما يطلب من المصلين أن يفسحوا في المجالس للقادمين الجدد، فيفسحوا عن طيب خاطر! تصويب: ورد خطأ نحوي في إضاءة (الأحد).. حيث ورد فيها أما الفصل المهم والأخير في هذه الوثيقة فهو ذلك الذي جاء تحت عنوان قضايا الحكم ومخرجات الحوار، فهو يقرر سلفاً (تكريس) لنظام الحكم القائم.. والصحيح (تكريساً) لنظام الحكم.