الأستاذ/ السموأل خلف الله.. لك التحايا والسلام.. وقبل أن أتلو بين يديك.. تحياتي وشكري.. دعني أقول واثقاً.. بل دعني أن أتساءل فرحاً.. ألم أكن محقاً.. عندما.. أرسلت لك عبر الحرف تهاني بعرض وطن.. وأنت تتوهط على كرسي وزارة الثقافة.. في هذا الوطن البديع.. بل كنت محقاً.. متنبئاً في ثقة الواثق.. أن «الإنقاذ» ولأول مرة عبر عمرها الذي «ما عارفين كم سيطول» لم تتوفق.. بل لم تصب.. إلا في هذا الموقع.. وذاك الموقف.. وهي تختارك وزيراً للثقافة.. لست منجماً ولا ضارباً للرمل.. ولكن.. لأنك معطون في بحر الثقافة البديع.. معجون بصلصال الإبداع البديع.. كان لابد أن تنجح.. لابد أن تضاء كل شرفات هذه الوزارة في عهدك الميمون.. أنت تعرف.. وكل الدنيا تعرف.. إنه ليشق عليَّ أن أشيد بأي لمحة إشراق ومضت من الإنقاذ.. وأنت تعرف.. وأنا أعرف.. إن أقسى.. وأكثر إيلاماً.. لنفسي أن أكتب مشيداً بوزير أو مسؤول.. وذلك لأني مطلقاً وأبداً لم تطاوعني نفسي أن أقف على أبواب السلاطين.. بل إني ما كرهت إنساناً مثل مقتي لذاك المتسول الوضيع.. المتنبيء.. وهو أبداً تحت أحذية كافور.. وأحياناً راكعاً بين يدي سيف الدولة.. وكثيراً وهو يقبل أيدي «فاتك».. نعم إنه ملك القصيد والنشيد.. وعبقري المفردة.. والحرف والشعر الرصين.. ولكنه وضيع النفس.. صغير الفؤاد.. والآن دعني.. ورغم كل تلك المحاذير.. دعني.. أقف تماماً أمام مكتبك.. منتصباً.. شامخاً.. لأقول لك.. شكراً.. شكراً.. جزيلاً.. وأنت تهب الوطن.. تلك الأماسي الماسية.. والتي تدفقت شلالاً روياً من متحف السودان.. لتغمر نفوسنا بأمواج شاهقة من المتعة والروعة والسحر الحلال.. شكراً لك وأنت تهب شعب ولاية الخرطوم.. عطراً من ماء قوارير العطر البهيج.. ودفقة من دفقات الجمال والمحال.. وتعيدنا إلى تلك الأيام الزاهيات.. وتعود بنا القهقري.. إلى متعة وبهجة «الخرطوم بالليل».. حيث الغناء الرصين.. والأنس البديع.. والموسيقى التي تغسل كل أحزان النهار.. و «ترمم» كل انكسارات العظام.. صحيح أنه كانت لنا أيام.. بل كانت كل أماسينا مثل ذلك.. والصحيح أيضاً.. انك أعدت الروح إلى ذاك الجسد الجميل الذي «جزت» عنقه نصال.. إخوتك في الإنقاذ وهرست عظامه.. تلك الخيول التترية المجنونة.. التي حاربت في بشاعة الجمال.. وحطمت المزامير.. وقطعت أوتار الكمان.. شكراً لك.. وأنت تكتشف بلياليك تلك الساحرة والساهرة أن هذا الشعب.. شعب أصيل.. نبيل مدهش وفريد.. شكراً لك وأنت تنفض الغبار الذي علق بوجه شعب الخرطوم الوسيم.. وليكتشف الكون كله.. أن هذا الشعب ذهب لا يصدأ.. شكراً لعبقرية المكان وأنت تجعل من المتحف إشعاعاً.. وليعلم الأولاد والبنات.. أن هذه الأمة.. ترتكز على أقدام.. ضاربة في عمق الأرض والتاريخ.. شكراً لك وأنت تثبت عبر روائع ود اللمين.. وبدائع شرحبيل.. وفواصل الفاتح حسين.. وتراتيل فلوت حافظ وآهات زيدان.. وبدائع أسامة بيكلو.. وقوة حنجرة ترباس.. وأشعة شمس مستقبل الغناء نانسي.. تثبت أن «عضم» هذا الشعب ما زال صلباً قوياً فولاذياً عصياً على التفتيت.. وأن سيل الغناء ونهره الجارف.. يجرف أبداً الفقاقيع والطحالب والطرور.. وأن زبد الغناء الهابط.. المشين.. قد مسحه من على ظهر أرضنا الطيبة.. سلسبيل الغناء البديع.. الذي كان حاضراً.. على ضفاف النيل.. شكراً لك.. وشكراً لشعبي.. الذي «خت الرحمن» في قلبي.. وأعاد لي الثقة بعد أن كادت تضيع.. وسط تلك الجلبة البائسة المتدفقة من الفضائيات العربية الكئيبة.. وتلك التي «تسيل» لزجة من تلك الكليبات الهزيلة.. شكراً مرة أخرى.. السموأل.. ومع السلامة..