صديقي.. معتصم فضل.. مرة أخرى لك الود والتحايا والسلام.. وكيف أصبحت.. ولك أن تتساءل.. ما الذي أغضبني من إذاعتكم حد الوجع.. وأقول.. الذي (حش) فؤادي و(فرم) كبدي هو خبر في نشرة أخبار أمس الأول.. ولك أن تسألني.. قائلاً.. (تستاهل إنت الوداك لإذاعتنا شنو).. وأقول.. إن كل علاقتي بإذاعتكم.. والتي كانت يوماً هي إذاعة جمهورية السودان.. وصارت اليوم.. بالأسف كله والحزن كله.. إذاعة المؤتمر الوطني.. وليس كل المؤتمر الوطني.. بل هي ملك حر لجناح الصقور في المؤتمر الوطني.. أقول إن كل علاقتي بها هي نشرة أخبار السابعة صباحاً.. والسابعة مساء والمحلية في الثامنة مساء لأعرف منها الذين رحلوا وتوفاهم الله لرحمته.. في تلك النشرة.. حافت وناهضت.. وخاصمت الإذاعة كل الأعراف المهنية وصادمت المقولة الإعلامية الشاهقة وهي.. إن الرأي حر والخبر مقدس.. كان من ضمن أخبار تلك النشرة... أن الوفد السوداني بقيادة الدكتور نافع علي نافع قد أحرز انتصاراً باهراً في قمة المناخ.. والتي تناقش الاحتباس الحراري في العاصمة (كوبنهاجن).. عن أي انتصار تتحدث هذه الإذاعة النائمة أو (المدلسة) والعالم الثالث كله.. والسودان عضو فيه.. وأفريقيا كلها والسودان في أفريقيا.. والدول الفقيرة كلها.. والسودان فقير يحتاج إلى (قرعة).. كل هؤلاء قد أدانوا الاتفاق بأقسى العبارات.. أقلها بأوصاف من شاكلة(وصمة عار).. و(هزيمة أخلاقية مدوية) و(كارثة) يدفع ثمنها فقراء العالم.. خبر الإذاعة.. يرفع عالية راية الكسب الرخيص.. ويضيء في وضوح لوحة.. الاستخفاف و (الحقارة) بالمواطن السوداني.. وكأن الإذاعة تعتقد أن المواطن السوداني.. يعوم أو يتقلب في بحار الجهل والانعزال عن العالم.. تقول الإذاعة ذلك في نشرتها الرئيسية... وأي مواطن سوداني في أي بقعة.. بل في كل شبر في المليون ميل.. يمتلك جهاز راديو.. وقطعاً وحتماً إنه قد سمع من ذاك الفضاء المفتوح.. بهزيمة الدول الفقيرة.. والأقل نمواً.. هذا يا صديقي الذي أغضبني.. بل هذا الذي أوجعني وأفزعني.. ولا تعتقد أني غاضب من تلك البدع.. بل الخطايا التي ارتكبتها الإذاعة.. لا تعتقد أني غاضب من تلك الحلقة التي اختصرت وسخرت.. بل داست على مشاعر الشعب.. كل الشعب.. وهي تستضيف في ذكرى (مايو) الأستاذ الدكتور إسماعيل الحاج موسى.. وهو يتحدث عن سنوات من عمر السودان.. و (التحلية) بل هو (طبق الحنظل) ما قدمته تلك الحلقة تحديداً من أغان لمايو.. ودهشنا حد الجنون ونحن نستمع من إذاعة جمهورية السودان.. إلى .. يا مايو حبيب.. زي أمي وأبوي.. زي أختي وأخوي.. وكنا نتهيأ إلى نشيد آخر... وما العجب إن كان.. تسلم يا أب عاج أخوي.. ولا تظن أني غاضب.. من الإذاعة.. التي تصور السودان.. جنة دانية القطوف وفاكهة تزحم الرصيف.. والخبز في متناول الجميع... والمياه منسابة لا مقطوعة ولا ممنوعة.. وافتتاحات لمستشفيات بالكوم.. ومدارس تئن مخازنها من ثقل الكتب والأدوات والكراسات.. يسمع المواطن ذلك والإذاعة تصور السودان.. وكأنه إمارة موناكو.. أو (بفرلي هيلز) في كلفورنيا.. يخرج المواطن بعد الإستماع إلى (كم نشرة) إلى الشارع ليرى الناس وهم بالكاد يقتاتون الرغيف ومنهم من يأكل من خشاش الأرض.. ومنهم من (يدافر) الشماسة في شارع أو نادٍ أقيمت فيه الأعراس.. ليجد.. (بواقي) طعام... وكسرة خبز.. هي (فضلة) تركها المترفون. صديقي معتصم.. أنت لن تفعل شيئاً.. نعم إنك ربان ماهر.. ومهني حاذق.. وبحار مؤهل بلا منازع.. ولكنك لن تفعل شيئاً.. فالموج عات.. وأسماك القرش.. متوحشة ومفترسة.. إذاً ما العمل .. هل تغادر المركب. أم تواصل الرحلة.. أخشى عليك.. إن واصلت أن تمسح صفحات إبداعك .. وكراسة إدهاشك .. وأوراق بصماتك.. أخشى أن تمسحها بالإستيكة سطراً.. سطراً.. لك ودي