العارف تعلم ذلك ولديك الدواء الشافي لهذا الداء. ليس توجيهاً أو إشارة إلى مواطن الخلل في شأننا الزراعي فالعلماء قد أشاروا وأعطوا الوصفات العلاجية وحتى رسامي الكركتير كان لهم نصيبهم في النقد والاستدلال والتعريف بما تُعانيه الزراعة ويُعانيه المواطن ولكني أكاد أجزم أنك في غدوك ورواحك وأنت تطوي المسافات من النيل الأبيض إلى النيل الأزرق ثم البحر الأحمر فالخرطوم مروراً بالقضارف والفاو ثم الجزيرة وأخيراً زياراتك إلى الشمالية ونهر النيل ثم دارفور وكردفان تكون قطعاً قد ارتسمت أمام عينيك وفي مخيلتكم خارطة الطريق الزراعية. الشمالية بكل مساحاتها الشبيهة بالبراري الكندية وغير المُستغلة وبعضها عطش والماء تحت بطونها مطمور حتى في العتمور وقريباً من الجار الجنب والصاحب أيضاً كل هذه الأرض تنادي وها قد شرف مارد السدود المنطقة. نحن نعلم وكذلك العالم أن دارفور بها كل مقومات الدولة المعروفة وفي الشأن الزراعي خريفها مطير وفير وشتاؤها طويل لم يجد حتى الآن من يستنطق أرضها البكر لتتفجر خيراتها قمحاً وشعيراً وزيتوناً ونخلا وهي الماء تحت بطونها أنهار.. أما كردفان فهي تشكو لطوب الأرض من سوء العرض لمنتجاتها وقلته وتتطلع للعودة إلى دورها الرائد في دعم الاقتصاد الوطني كما كانت سابقاً ولقد تخلفت زراعياً كثيراً عن السوق العالمي الذي كانت تسوده بمنتجاتها الحصرية ذات الجودة المشهودة. ولعلك أخي خبرت النيل الأزرق وعلمت ما تكنزه زراعياً من أنواع وأشكال البذور وكلها مرغوبة عالمياً. لك وجهة أخي لن تخيب ظنك أو توقعك وهي جنة الشرق التي تحتاج إلى فعل خلخلة الخلال في المفهوم الزراعي خاصة البستاني ليواكب العالمية أو الجار القريب الذي يصدر إلينا البصل والطماطم وحتى العجور، لابد أن تتسيد البستنة الزراعية والمختلطة الموقف وبإرشاد حكومي عوضاً عن البشتنة الزراعية التي تعيشها هذه المنطقة بلا منطق علمي أو بعد استثماري، أما الشرق البعيد وديانه وكثبانه فقد كانت لك فيه التجارب للتمور وغيرها وأهل مكة أدرى بشعابها. النفرة الزراعية، الثورة الخضراء تحقيق لشعارنا الأشهر نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع هذه شعارات هزمناها بأنفسنا وذلك باتباع سياسات زراعية لم نستمع فيها للمختصين بل تم تسييس بعض الخطط بحيث أفرغت من مضامينها العلمية والعملية وانزوى أهل الاختصاص بعيداً فالأمر وقد آل إليكم أخي فعليكم بالمختصين وبأمثالهم لتكون الثورة التي ننشد. يا صاحب السنبلات رغم أن التصنيع الزراعي اختصاص تشاركي مع وزارة أخرى إلا أن المباداة والمبادرة منكم لهذا التصنيع من حيث الإنتاج الوفير كماً نوعاً وليكن تخطيطنا الزراعي مزامناً له التخطيط للتصنيع الزراعي موسمياً كان الإنتاج أو متصلاً فهو يثري ويزيد الدخل القومي والمحلي ويمتص العمالة المحلية بأنواعها وما أكثر مشاريعنا التي قامت وبالقرب منه أو معها مصانع. أخي عبد الحليم: تخطيطم وتفكيركم العلمي والعملي ونهجكم المعروف في الإصرار على تحقيق الغايات يشجعنا لنضع بعض العلامات التي يراها الكثيرون دليل النجاح لكم ولوزاراتكم في إعادة الحياة للزراعة لتكون الواجهة وما سواها من النشاطات الاقتصادية الأخرى تابعة وهذه المعاملات هي: إزالة الآثار السالبة التي صاحبت الخصخصة لبعض مشاريعنا القومية التي جاءت خصخصتها مدمرة لأهم دعائم الاقتصاد وأولها مشروع الجزيرة والمناقل العملاق حتى لو كانت تلك الخصخصة جزئية وفي هذا الإطار نحمد للسيد نائب رئيس الجمهورية أن أعاد الاعتبار لوحدات الري ونفخ في أوصالها الحياة لتعطي المحاصيل الحياة وهناك بنيات أساسية تحتاج منكم لإعادة النظر والرقية لتتعافى وهي قوية ويمكنها أن تقوم بالكثير كالمحالج وغيرها من البنيات التي لازالت واقفة شامخة تتحدى القرارات يا صاحب السنبلات مواصلة إدخال المكينة الزراعية واستخدام الحزم التقنية بفاعلية في كل المشاريع والقيادة الإدارية والفنية الإرغامية للمزارعين لاتباعها على قاعدة الشركاء طالما أن هذه الحزم سبيلنا للتوسع الأفقي والرأسي في الانتاجية.رغم سياسة التحرير إلا أنه منعاً للاحتكار يجب أن تتدخل الدولة في مجال زراعة الخضر والفاكهة التي أصبحت أسعارها جحيماً لا يطاق ويقيني أن التوسع في البيوت الزراعية خاصة حول المدن- رغم ولائية هذا النشاط- إلا أنه يمنع احتكار السوق بواسطة جهات معينة تفتحه وتغلقه متى شاءت وفي هذا أيضاً تشجيع للصادر. التوطين الرسمي والمقنن والمحاط بتقنيات عالية لزراعة القمح بكثافة في الشمالية ودارفور والجزيرة والتنسيق مع جهات الاختصاص لضمان ثبات الأسعار والأجر منعاً للضرر وتشجيع المنتجين. لابد من إعادة النظر في مشروع حلفا فهو ليس بالخاسر ولكنه في حاجة لمن يتجاسر إدارياً ليكبح جماح الذين يرغبون في وأد الفرحة التي بدت ملامحها على الوجوه بعد التغلب على الشجرة الملعونة التي كادت أن تطيح بأحلام المزارعين. وأنت المتابع منذ فترة طويلة للشأن الزراعي تعلم يقيناً أننا لن نترك وشأننا في هذا المجال فقدرتنا الزراعية الكامنة والظاهرة والتي تحقق لنا أن نكون سلة الغذاء تجعل أعين الحاقدين أو الطامعين والمتربصين تتجه إلينا وتصوب معاول الهدم الزراعي علينا لكي لا ننهض أو نتبوأ ما نصبوا إليه من مكانة وهؤلاء يمكنهم فنياً تدمير محاصيلنا عن طريق المبيدات الفاسدة أو التقاوي الأكثر فساداً أو حتى عن طريق احتكار الأرض دون استغلالها كلها ولنا في الاستثمار الصناعي أمثلة كثيرة أعان الله السيد وزير الصناعة في ثورته على الاستهبال الاستثماري في الصناعة ليرد للمواطن والدولة حقوقهم المنهوبة. الثورة الزراعية التي تقود ركبها يجب أن تكون عاقبتها إعادة الحياة لمفردات اجتماعية افتقدناها كثيراً من أمن نفسي يحكم استقرار الأسرة وأمن اجتماعي يحكم توجهات المجتمع التكافلية، نريد أن تعيد هذه الثورة إنسان الحقل لحقله وتعيد الروابط بين المدينة والريف بتبادل المنفعة وحبذا لو اختفت الساحات البور الشاسعة بين الولايات وامتداد الخضرة إلى ما لا نهاية بحيث لا تشكو منطقة ما من تهميش الجمال الزراعي لها أيضاً. أخي الكريم ضمرت مساحات الوطن ولكن كبرت معها الآمال والأحلام في عودة الروح لمشاريعنا العملاقة الجزيرة والمناقل، مشاريع النيل الأزرق، مشاريع النيل الأبيض، مشاريع جبال النوبة، مشاريع دارفور وكردفان ليزداد التصاق إنسانها بها وليعود أبناؤها إليها تمسكاً بالأرض ارتباطاً وبناء جديداً للوحدة التي تقودها الزراعة بالدرجة الأولى والتي بفضلها أولاً تزول لغة التهميش ثم بعد ذلك تأتي مفردات الاقتصاد الأخرى وفي آخر السلم تأتي السياسة على استحياء إن أمننا النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي يكمن في أمننا الزراعي بكل مفرداته وتوابعه وهو الذي به وعليه قبل غيره نكون أو لا نكون. ختاماً إن الإدارة الجيدة الواعية المدركة لفاعلية وأهمية الشأن الزراعي في السودان والتي تقوم بتنفيذ السياسات الزراعية كما خطط لها في إستراتيجية الدولة ربع القرنية جديرة بتحقيق التحول المنشود لتستعيد الزراعة وضعها ودورها الطليعي والرائد في قيادة الاقتصاد السوداني مع أمنياتي ودعواتي لك بالتوفيق ياصاحب السنبلات. فريق ركن