أستاذن القاريء الكريم في أن أفرد هذه المساحة اليوم لقلم الأستاذ الدكتور حازم الطيبي، أستاذ جراحة العظام بالجامعات المصرية وصاحب العديد من الأبحاث العالمية المنشورة باسمه في كبرى المجلات العالمية في أمريكا وأوربا.. وكاتب القصة القصيرة والفنان التشكيلي والإعلامي المصري المعروف. أستأذن القاريء الكريم ليقرأ معي ما أحسب أنّه مُفيد وممتع لأنّه أهداني هذا الإحساس وذلك العشور.. وهو يكتب عن جنوب شرق آسيا وعبقرية المكان. ** جنوب شرق آسيا وعبقرية المكان ماذا حدث في جنوب شرق آسيا خلال نصف القرن الماضي... لا بل خلال العشرين عاماً الأخيرة؟ اليابان كانت مُتربعة على المُعجزة الآسيوية لمدة نصف قرن، كان الجميع يتغنون بالعبقرية اليابانية ويدرسون الإنسان الياباني كيف يُفكّر ودوافع الاختلاف بينه وبين الآخرين. أتذكر مقالة لكاتب أمريكي في دراسة للحلم الياباني قال إن الفرق بين العامل الياباني ونظيره الأمريكي والأوربي أن الأول له انتماء غريب لعمله، فهو منذ أن يتم تعيينه لا يُفكر أبداً في أن يترك عمله أو يُغيره مهما كانت المُغريات المادية ثُم إنّه يشعر بالمتعة في إنجاز عمله ويعمل على إيجاد مكان لابنه في نفس المصنع، ولاء كامل للمكان، ولا يجد متعة في الإجازة بينما النقيض تماماً في العامل الغربي الذي يكون انتماؤه للمادة قبل المكان. كنت استغرب لماذا اليابان؟ هل هذه الجزيرة تنفرد بهذه الشخصية؟ لماذا لا تنتقل العدوى إلى الشاطئ الغربي... الصين أو الجنوب في الفلبين وهكذا... لماذا العامل الياباني؟ هل هي جينات حتى بدأت تظهر لنا كوريا الجنوبية، بينما الشمالية تغط في نوم عميق؟ وأسأل هل الجينات الكامنة ظهرت فجأة في كوريا كأنما ضغط أحدهم على زر ليركض الحصان الكوري خلال عشرين عاماً. ثم ظهر المارد الصيني حتى إذا دخلت أي سوق في أوروبا لا تكاد ترى منتجاً من صُنع البلد الذي تشتري منه. جميع الموجودات على الأرفف من الإبرة إلى الصاروخ صيني ثم كوري، وتوارت اليابان قليلاً وبدأت إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتيلاند تداعب الأسواق على خجل. أتساءل من ضغط الزر، هل هي جينات؟ أكرر جينات لا نملكها في الشرق الأوسط، حتى عهد قريب كانت العبقرية داخل حدود كوريا أما جارتاها الملاصقتان لها سواء تايلاند والفلبين كانت في فقر وعوز، سؤال لا أجد له جواباً. كنّا في زيارة إلى إيطاليا لحضور مؤتمر في منتجع سورنتو في الجنوب، وزرنا نابولي، وكأنما نزلت محطة مصر، همجية وفهلوة وشوية نصب واحتيال من سائق التاكسي إلى صاحب الفندق... وانتقلت للشمال إلى ميلانو... الصورة مختلفة إلى حد كبير، وسألت قالوا: الجنوب يختلف عن الشمال وإيطاليا عموماً تختلف عن السويد مثلاً في الأخلاقيات والعادات... الشمال أفضل... هل هي جينات أيضاً، الجنوب يتمتع بجينات الفهلوة والانتهازية. أسأل نفسي وقد ركبني الهم والغم، هل كُتب علينا أن نكون من أهل الجنوب؟... لا أعتقد نحن بحاجة إلى قدوة يقول أنتم أولاً... البلد أولاً... بكره أولاً... لا إلى من كان همهم الأكبر أن يبقوا داخل صومعة الحكم، أن ينهبوا ونظرهم عند أقدامهم، يخافون ممن حولهم لأنهم يعرفون ما يفعلون، يخافون من بكرة لأنهم يعلمون أن الشعب ينتظر لحظة الحساب... والحساب لن يُعيد ما تم نهبه ولن يُعيد السنوات التي ضاعت، بينما الآخرون يركضون يُعبّدون الطرق ويمدون الكهرباء ويشقون الأنفاق ويشيدون المصانع ناظرين للمستقبل لهم ولمن بعدهم. كلما سافرت إلى أوربا، كلما قابلت الآخر، الرجل الأبيض واليوم الرجل الأصفر أيضاً حسدته على ماهو فيه، أما نحن فليرحمنا الله برحمته.