انشا مدرسة «نيفاشا سارانغ- دار السلام» (أو نيفاشا الحب) بأم درمان قبل الدخول في حوار مع الأستاذ الجامعي البروفسير الكوري ) دونغ يونغ كون) الذي أتي الي السودان برفقة رجل الأعمال أبراهيم سلمان أبوالحسنين الذي يقيم معظم أشهر العام بكوريا و زارنا البروفسير في أحد ليالي رمضان ولقد تعجبت أنه لم يرفض أن يشرب (الحلو مر والكركدي) فقال نحن الكوريين نأكل القراصة والبليله وسيحكي لنا سبب ذلك لاحقاً وسألته أن يحدثنا عن عشقه للسودان وأهل السودان وسنتركه ليحكي لنا قصة الرحلات المتكررة للسودان وقصة حبه لاهل السودان لدرجة أنه تبني مجموعة من الأيتام وبناء مدرسة باحد ضواحي أم درمان(نيفاشا) والتي يحلم أن ينقل فيها كل التكنولوجيا الكورية لمدرسة قوامها تلاميذ من النازحين حيث يكفل تعليمهم ويكفل لهم الكساء ووجبتين في اليوم، نود أولاً القيام بجولة تاريخية سياحية ثقافيه دينية في شبه الجزيرة الكورية. فقد اطلق اسم كوريو918 م علي شبه الجزيرة الكورية تيمناً بقبيلة (كوريو) التي حافظت عليها من الهجمات اليابانية والمغولية منذ القرن الثالث عشر حتى القرن العشرين فتأسست مملكة كوريو، وكانت عاصمتها جايسونج، وكلمة «كوريو» تعني «الجبال المرتفعة» و»البحار المتلألئة»، وهي الأصل الذي تحول بعد ذلك على يد البرتغاليين إلى «كورو»، ومنه أصبح الاسم بالإنجليزية «كوريا» كوريا المعجزة الشرق أسيوية ترتيبها الثاني عشر من بين دول العالم المتقدمة صناعياً فهي بلد رأسمالي ديمقراطي متقدم له عضوية في المحاور الدولية من الأممالمتحدة الي منظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية ومجموعة العشرين الأقتصادية، وتشتهر بصناعة السيارات والبتروكيماويات والالكترونيات وصناعة السفن والنسيج ومنتجات الصلب وتقنية معلومات الأتصال وأشباه الموصلات وشاشات العرض الكريستاليه السائلهLCD والهواتف المحمولة وشاشات العرض المسطحه والشرائح والذواكر ولا ننسي الثلاجات والغسالات وغيرها... يدين الشعب الكوري بعدة ديانات سماويه وغير سماوية منها: (الشمانية) وهي ديانه بدائية و(البوذية) وهي احدي الديانات الفلسفيه الفكريه وتؤمن بتناسخ الأرواح و(الكونفوشيه) و (تشون دكيو) وهي حركة اجتماعية قامت ضد الفساد والتجاوزات الأجنبيه و(المسيحيه) وهي حديثة الوفود الى كوريا ثم (الأسلام) الذي جاء مع مسلمي شمال الصين والقوات التركيه في اوائل القرن العشرين. أما الزي الكوري فهو (الهان بوك)، ويتمسك الكوريين بعادات تشبه عادات السودانيين فاحترام كبار السن شئ مقدس في الديانه الكورية, لدرجه ان من غير الطبيعي ان يذكر شخص من هو أكبر منه سنا باسمه المجرد, حتى وان كان فارق السن لا يتجاوز السنه أو الاثنتين, فتزاد كلمه «هيونغ» ويقولها الفتى للفتى الذي هو أكبر منه سناً، , وكلمه « نونا» يقولها الفتى للفتاة الأكبر منه سناً ,وكلمة «اوبَا» تقولها الفتاة للفتى الأكبر منها سناً,وكلمة «اوني» تقولها الفتاة للفتاة الأكبر منها سناً، وكلمة سانباي تقآل للاكثر خبره بأي مجال .. او للأعلى مرتبه من الشخص نفسه. يتميز الكوريون بنفس السحنة والتقاطيع فكلهم تقريبا أصحاب ملامح واحدة و« فورمة« واحدة من حيث مقاييس الجسم نسبة لانهم ينحدرون من سلالة واحدة ،يتقاسمون مجموعة من الصفات التي تميزهم عن اليابانيين والصينيين كما أن لديهم هوية ثقافية مميزة كشعب واحد، والكوريون الحاليون هم من سلالة القبائل المنغولية. وتعتبر المعابد البوذية من المزارات السياحية في كوريا حيث يتفنن الكوريون في الاهتمام بتصنيف آثارهم السياحية حتي وأن كانت ضئيله ومن أشهرها: * معبد (بولوجوسكا) الذي يرمز لارض بوذا النقية.* كهف (سولاجورام) منحوت على الجرانيت به 38 صوره لبوذا،* معبد (هنسا) وهو مخزن لحفظ الالواح الخشبيه التي كانت تستعمل لطباعة (تربيتاكا كوريانا) وهي تحوي (تعاليم بوذا) فتصميم المعبد يُمكن من التحكم في التهوية والحرارة والرطوبة، * و قصر (تشانج دوك جونج) أو (الفضيله المشرقة) وبه أعظم بوابة في (سيول) وبالقصر حديقة (هو وون)وايضاً به كرسي العرش ومقبرة سلالة (يي) الملكية * ضريح (جونج ميو) لارواح ملوك وملكات جوشون* حصن (هواسونج) وبناه الملك (جونج جو) لصد الهجمات * مدينة (كيونج جو) التاريخية (سميت بالمتحف المفتوح) لمبانيها التاريخية المميزة والمعابد والأضرحة والتماثيل. وبالنسبة لعاداتهم في الأكل فإنها أقرب ما تكون إلي عادات بعض أهلنا في الريف السوداني حيث يجلسون علي الارض فقط الاختلاف ان الكوريون يجلسون على أرضية خشبية تعلو عن الأرض نحو 30 سنتيمترا ولابد من خلع الحذاء قبل الجلوس إلي الأكل وطعامهم الشهير هو (الكيمشي والبولغوغي) ولقد ذكر البروفسير الكوري ( دونق ) أن القراصة طعام يأكله الكوريون في الأيام الممطرة. و»الكيمشي« و هو من أنواع المخللات ويصنع عادة إما من الكرنب الصيني أو الفجل أو الخيار أو الأطعمة البحرية والفلفل الأحمر.. وإينما ذهبت في أرجاء هذا البلد ستجد طبق الكيمشي في انتظارك... ولا تخلو أي مائدة سواء في بيت رقيق الحال أو في مطاعم فنادق الخمس نجوم من طبق الكيمشي وهو بذلك يكون مثل »السوشي« في اليابان والبيتزا في إيطاليا والبرجر في أمريكا. والآن نترك البروفسير (دونغ يونغ كوك) ليحكي لنا بحرية عن قصته مع حب السودانيين فيقول: يشعر الناس عامة بالغربة عندما ينتقلون داخل بلدهم من مدينة الي مدينة فتبدو اسماء الشوارع غريبة وغير معروفة والي نظام غير معتادين عليه وطعام غير مألوف لديهم فما بالك عندما يغادرون مسافرين الي بلد على الجانب الآخر من الكرة الأرضية فبالتأكيد فأنهم سيعانون من عبء نقص المعلومات وعبء اللغة وفارق الوقت و مقابلة أشخاص لهم عادات وتقاليد وثقافات خاصة بهم تختلف عن تلك التى مألوفة لديهم. فكلما أزداد الشخص بعداً زاد احساسه بالغرية. لكن هذه النظرية لا تصبح حقيقية دائماً... فأحياناً بالرغم من بعد البلد وطول الرحلة الى بلد آخر غريب يحس الشخص بفرح غامر بأنها فرصة للقاء الأصدقاء حتى ان لم تتوطد علاقته بهم بعد ولماذا هذا البحث عن التجانس؟. فطبيعة الآنسان الاجتماعيه فهو يبحث في الآخرون محاولاً أيجاد خيط رفيع من التشابه بالرغم من أختلاف المجتمع الذي أتي منه. فبالنسبة لي فقد التقيت بعدد من السودانيين الذين يسكنون بقربي في سيول وكان الجميع في قريتي مندهشين لرؤية السودانيين يجوبون شوارع سيول بجلاليبهم الممميزة التي لفتت الأنظار وهذا خلق عندي حب أستطلاع للتعرف على هؤلاء السودانيين وأستكشاف هذا الشعب وحدث فقد قمت من عاصمة بلدي «سيول» بكوريا قاطعاً تلك المسافة الطويلة الي السودان في رحلة تستغرق 24 ساعة من الطيران على متن طائرة واحدة برفقة صديقي السوداني أبراهيم سلمان أبوالحسنين بغرض إنشاء مدرسة للاجئين فوقع أختياري علي «نيفاشا» دار السلام بضواحي أمدرمان. فلقد كان كل شئ في السودان غريباً بالنسبة لي فاللغة صعبة الحروف وللناس الوان مختلفة وملابس خاصة (جلابيه) و(توب وعباية) وشوارع تزاحم فيها الحمير مع سيارات البرادو والتوكسون والمرسيدس الفخمة. هنالك رأيت وأحسست واصطدمت وأكتشفت أشياء لم أكن اتوقعها في السودان ولكن سهل لي صديقي أبراهيم سلمان الذي يعيش بمدينة الدوحة بأمدرمان مشكوراً الطريق لتعلم اللغة العربية الممزوجة بالانجليزية خلال زياراتي السابقة فمعه اضفت لطعامي الكوري أطباق أخري ساتناولها مع اهلي مثل: «القراصة» فهي من الوجبات المعروفة والمفضلة لدينا والتي نأكلها كوجبه في الأيام الممطره في كوريا وتسمي «جيون (Joen) والفول الوجبه الرئسيه في السودان والذي يسمي في كوريا (دون جانج) (Doenjang) وأن أختلفت رائحتة في السودان عن تلك التي فى كوريا، وأيضاً أكلت بالسودان البليلة التي نأكلها في عطلة ?جيون بيونغ» ((Jeonbyong، وللبليلة مكانة في التقليد و التاريخ الكوري حيث نأكلها في عطلة يوم 22 ديسمبر من كل عام وهي اطول ليلة في العام التي ينشط فيه الشيطان لأنه يكره أن يطلع الصباح فيخاف فيها الكوريون فياكلون البليلة طوال اليوم فلونها علي لون دم الديك منذرة بقدوم الصباح الذي يطرد الأرواح الشريرة وفي السودان أيضاً توزيع البليلة للجيران لطرد الشيطان(ككرامة). ومن العادات التى يتشابه فيها الكوريين مع السودانيين طريقة رمي السن المخلوع للاعلي، فقبل مغادرتي خلعت زوجتي سن طفلي الصغير المرتجف وبطريقة الامهات الكوريات قذفت بها الي سطح المنزل متوقعة أن يلتقطها طائراً ويطير بها عالياً الي السماء أملاً بأن يعطي هذا طفلها البركة وهذه نفس الطريقة التى تتبعها المرأة السودانية. وأيضاً طريقة النداء على الأشخاص فعندما ينادي السوداني علي آخر يقول (يا.. مني) أو (يا.. مها)» أما في كوريا فنحن نستعمل نفس الطريقة ولكن نضع أداة النداء بعد الأسم فيصبح (مني ..يا) ((Mona.. Ya) أو (مها.. يا) (Maha..Ya) وتشابه آخر بيننا فنحن في كوريا ننادي علي الأم والأب فنقولOmi) ) (أمي)... (Abi)(أبي). وأذا زار احدكم كوريا يوماً ما وركب البص أو الحافلة أو المترو فأنه سيلاحظ أن الشباب ينهضون من مقاعدهم ليجلس عليها كبار السن والنساء اللائي يحملن أطفالاً فهذا تشابه بيننا أيضاً.. وهنالك تشابه آخر نتشارك فيه نحن والسودانيين فلنا نفس المطبخ الصغير الغير مرتب في ضواحينا ففيه نضع الخشب أو الفحم على المنقد للطبخ .. وعندنا طاحونة الحجر وباب الخشب في البيوت القديمة. قطعاً لا أستطيع أن أحصي عدد الأشياء المتشابهة بين هذين البلدين الصديقين البعيدين فلقد بحثت في تاريخ العلاقة بين البلدين فوجدت أنه كان هناك طريقاً لاستيراد للحرير ربط بين السودان وكوريا منذ أكثر من 1500 سنة. أما بالنسبة لي فلقد التقيت بالسعادة والتجانس عن طريق أصدقائي السودانيين في بلد يبعد كثيراً عن بلدي. فطرأت لي فكرة أنشاء مدرسة في أطراف مدينة أم درمان بنيفاشا- دار السلام... فكوني أستاذ جامعي فأنا أود أن أنقل التقنيات الكورية المتقدمة لهذه المدرسة وأنا أدري أنه طريق ليس سهلاً أحتاج لان يتعاون فيه معي السودانيين ونسميها مدرسة نيفاشا الحب وبالكوري (Nefasha Sarang- Dar Al- Salam) (نيفاشا سارانغ ) وسنجد فيها يوماً ما طلاب صفر اللون متجانسين مع الطلبة السودانيين لدفع التنمية المشتركة. فأنا البروفسير دونغ يونغ كوك أعمل باحدي جامعات كوريا أحب السودان وجاهزاً لخدمة أي سوداني يأتي الي بلدي كوريا فسيجدني جاهزاً لأسهل له المواصلات وخدمة المعلومات والمستشفيات وكل ما يلزم فقط الأتصال بي عن طريق بريدي الألكتروني( Pdoctor99@hot mail.com) والآن الي حوار سريع مع البروفسير دونق: () احييك نيابة عن كل السودانيين وانقل تحاياك اليهم وسؤالي كيف بدأت هذه الصداقه الحميمة مع السودانيين؟ لم أكن أعرف شيئاً عن السودان قبل أن التقي بالسودانيين بقريتي بكوريا ولكن بعدها صرنا نتبادل «السلام عليكم» وأصبحنا أصدقاء. () من أين نبعت فكرة اول زياراتك الي السودان؟ في يوم من ايام السنة الماضية أقامت قريتي حفل علي شرف السودانيين المقيميين بها وعندها أقترحت باقامة منافسة ومسابقة «حول السودان» فنصحني جاري السوداني أبراهيم سلمان أبوالحسنين بزيارة السودان وقد فعلت. () ما الذي يعجبك في الشخصية السودانيه؟ كل السودانيين الذين قابلتهم عطوفين، صادقين، قلوبهم دافئة بالحب والسلام. بالرغم من كوني أجنبياً من بلداً بعيداًً جداً فهم عائلتي وليس مجرد أصدقاء. لذا أنا أؤمن بأن السودانيين والكوريين في الأصل من دم واحد . () هل أحببت المطبخ السوداني؟ نعم، فقد أحببت الطبخ السوداني خاصة الفول والقراصة والبليلة والكركدي. () هل لاحظت أن هنالك بعض التشابه في العلاقات والتقاليد أو الطعام بين كوريا والسودان؟ كلما أقمت أكثر بالسودان كلما ازددت دهشة للتشابه والتجانس في العادات والتقاليد كالملابس والأكل والحياة اليومية. () هل تسمع الأغاني السودانيه؟ ومن المفارقات بالرغم من انني كوري فمن الأغنيات المفضلة لي هو «النشيد الوطني السوداني» لأنه رائع وحيوي جداً. () ما هي الأماكن التي زرتها وأعجبتك أكثر؟ لقد زرت الخرطوم والمدن المحيطة بها ولكن أكثر المدن التي نالت أعجابى «مدينة مروي» باهراماتها الوعرة فلقد كانت فرصة عظيمة بالنسبة لي فقد منحتني فرصة للأتصال باناس عاشوا هناك منذ الآف السنين. () هل أبحرت في النيل؟ ليس بعد ولكن يوماً ما سافعل. () من أين نبعت قصة المدرسة الأبتدائيه التي تنوي إنشائها بنيفاشا دار السلام بأم درمان؟ دائما أحس بأن محيط نيفاشا بام درملن يشبه الذي بطفولتي في كوريا منذ اربعين عاماً وحتي الظروف الصعبة المحيطة بها وساكرس نفسي لطلاب نيفاشا وساجعل جودة التعليم بها مثل الذي بالمدارس الكورية ولكن هناك الكثير من الصعوبات التى تعترض طريقي فارحب بالسودانيين للانضمام والمساعدة. () ما الذي لم يعجبك في السودان وتوصي بتغييره؟ عادة يصعب الحفاظ على ضبط الوقت ولكن عدم الحفاظ علي الموعد والوقت المضبوط يؤدي الي مشكلات كثيرة للاخرين فأنا أأمل مخلصاً من السوداني مراعاة الحفاظ علي الوقت لانه سمة وخلق عالمي. () هل جربت الزي القومي السوداني؟ نعم فأنا دائما ما القي محاضراتي بالجامعة وانا أرتدي الزي القومي السوداني ولانه في الأصل يشبه الزي التقليدي للمعلم الكوري. وفي الختام نحن نعتز بعلاقتنا الأخوية مع كوريا التي كانت منذ الأذل ولازالت قوية وهذا ما جاء علي لسان الدكتور الشاعر مبارك بشير فقد ذكر لي أن السودان كان يساند الشعب الكوري منذ الحرب العالمية فلقد غنت بنات السودان أغنيات تشجع فيها كوريا وشباب كوريا قائلات» الله لكوريا ياشباب كوريا» كما سميت بعض الأحياء من بورتسودان الي الخرطوم بأسم (ديم كوريا) فمرحباً بالصداقة الكوريا. (مصدر المعلومات العلمية والتاريخية: الموسوعة الحرة-يكيبديا)