كثيراً ما نسمع عبارة تحرش.. ودائماً كانت تستفزني هذه الكلمة لما تحمله من معنى (كريه).. ودلالات مخيفة.. والتحرش هو الاعتداء غير مباشر ، بحيث لا تستطيع أن تصف ما حدث أو أن ترد على الإعتداء.. والتحرش النفسي هو الأسوأ، فأنت لا تستطيع أن تصف حديثاً مضمناً إساءة ما، أو نظرة مليئة بالكراهية أو ابتسامة صفراء ماكرة! إنها لغة فاسدة تخفي وراءها اعتداءً نفسياً أخلاقياً ، بحيث يحدث دون أن يستطيع المتعرض للإساءة أن يدافع عن نفسه بل يلملم اطرافه وينهزم الى الداخل دون المقدرة على التصريح لأن التحرش النفسي.. هجوم مخفي.. وغير معلن. فالعبارات الجارحة التي تنهك روحك.. وتهدد ثقتك فيمن حولك..وثقتك في نفسك تجعلك دائم التحفظ.. والايحاءات المريبة.. والنظرات القاتلة تكون أشد فتكاً من السهام.. والوسط المهني يكثر فيه هذا السلوك الخبيث، فنجد الأشخاص الذين يقللون من امكانيات غيرهم ويحاولون استحداث الفرص وانتهازها من أجل أن يتبوأوا أرفع المنازل دون أن تكون لهم الخبرة الكافية والمعرفة، فكل الذي يملكونه هو المقدرة على انتقاد الغير وزعزعة ثقتهم بأنفسهم وإيهامهم بعدم المقدرة على الانجاز والابداع والمعالجة السليمة.. فالتهميش والنقد الجارح، وعدم وضع الشخص في المكان المناسب لمؤهلاته، والتمييز في التعامل بين الناس، والمراقبة المستمرة المؤدية للإرباك هي بعض مظاهر هذا التحرش، وقد يكون موجهاً إلى المرأة بالذات في بعض أماكن العمل نسبة لان المرأة بطبعها كائن رقيق وحساس وايضا تكثر بها نقاط الضعف .. وأقسى أنواع التحرش النفسي هي التي تمارس على الصغار الذين لا يملكون المقدرة حتى على استيعاب المعاني الخفية المضمنة في العبارات، ولا تستطيع دواخلهم الصغيرة تحمل ما يقع عليها من انعكاسات نفسية.. فيفقدون ثقتهم في قدراتهم.. ويهابون المستقبل.. وتقل مقدرتهم على الخلق والابتكار.. وقد يكون ذلك سبباً في تغيير خريطة حياتهم. فلنحصن أنفسنا بالايمان بموهبتنا وتطوير مؤهلاتنا والإخلاص في العمل من مثل هذه التصرفات التي تنهكنا ونحاول أن نعزز ثقتنا في امكانياتنا، وأن نعكس كل ماهو قيِّم، ولنتعلم كيف نتعامل مع صغارنا بضبط النفس والصبر والتشجيع حتى نصنع منهم شموساً تضئ الغد، ومنابر تحيا للحق، وصوتاً ينادي دون خوف.. ووجداناً صادق لينعموا بحياة أفضل.
