لم نرحب بالانفصال ونتجرع طعمه المُر إلا سعياً وراء راحة البال والخلاص من هذه الحروب القتالية، والنفسية، والكلامية، التي جعلتنا نزهد في هذا الجزء العزيز من الوطن، ولسان حالنا يردد (الجدري ولا بيت النقري)، لكن يبدو أن هذا النقري سيظل ملازماً لنا حتى بعد رضائنا بجدري الانفصال!! وإن كان الصراع من قبل يدور داخل الوطن الواحد تحت مظلة حكومة واحدة، فالآن الصراع يدور بين دولتين وهذه هي الخطورة!! هذه الاتهامات إن لم تُتدارك بجدية ومسؤولية تترفع عن أي كيد سياسي فإنها تحمل نُذر حرب لا تبقي ولا تذر(الشر بره وبعيد)، والداعي والدافع لهذا المصير المشؤوم شنو؟!! الله وحده يعلم، ظننا أنه بهذا الانفصال نكون قد دخلنا عهداً ننعم فيه بالسلام وراحة البال (والجاتنا في أرضنا ومالنا سامحتنا) لكن هيهات، وربكم يستر ويلطف من القادم، إذا سارت الأمور في هذا الاتجاه والوضع المحتقن. صوت العقل، والمسؤولية، والضمير، والمنطق القويم، كل أُولئك يقولون بضرورة فتح صفحة جديدة(لنج) في شكل وتاريخ العلاقة القادمة بين الشريكين اللدودين، (الاتنين بيوتهم من زجاج فالأولى والأحسن والما في غيرو بديل أصلاً) أن يعملا بكل ما أُوتيا من حكمة وقوة وقدرة على بناء علاقات حسن جوار متينة.. ما يجمع بين دولتي الشمال والجنوب من علائق ومصالح- لا انفصام لها ولا فكاك منها (سيك ..سيك، معلق فيك)- أكبر من أية مكايدات سياسية صبيانية لا تحمل ولا ذرة من حكمة ولا حنكة.. والأذى الذي يلحقه بك جارك أبلغ وأعمق من أي أذى آخر.. وقد جرَّبنا قلاقل و(مغايص) الجيران: تشاد- إرتريا ? أثيوبيا- ومصر، وجرَّبوا قلاقلنا.. تفنن كلٌ منا في إيذاء جاره بكل ما أُوتي من مكر وقوة، باحتضاننا معارضيهم واحتضانهم معارضينا ودعمهم وتقوية شوكتهم (الأذية ما صعبة؟).. وكل طرف يضرب ويلبد، والآخر يتهم ويهدد باللجوء إلى ساحات المحاكم والمنابر العدلية الدولية (ولكنه تحت تحت يرد الصاع صاعين وزيادة)، وينبري الآخر منكراً ومتبراً من التدخل في الشؤون الداخلية لخصمه اللدود، وفي ذات الوقت يظل متوقعاً ومستعداً لردة الفعل الإنتقامية القادمة.. وهكذا تدور الدوائر العدائية.. والمتضرر والمتأذي الحقيقي هم البسطاء شعوب تلك الدول الذين يدفعون الثمن غالياً من أمنهم واستقرارهم ومكتسباتهم.. وفي النهاية بعد أن يستنفدوا حيلهم ومكرهم وتضيع كثير من الأموال والأنفس والثمرات، يلجأون إلى الزمان كان المفروض والواجب يكون.. يأتون إليه صاغرين ومسلِّمين فيجنحوا للسلم كافة.. فتستقيم الأمور.. وتستريح الشعوب بل وقبل ذلك يستريح أصحاب الأذية أنفسهم، ويكتشفون حلاوة حسن الجوار ورعاية وتنمية المصالح المشتركة، هو في أحلى وأجمل من العلاقات والتعاون الكبير بيننا وتشاد هذه الآيام؟ّ!! كنوز الدنيا كلها ليست بأثمن ولا أعظم من الأمن والأمان الذي يعيشه الشعبان والحكومتان ؟؟!! إذن لا بد من علاقات جيرة حقيقية نقية من دنس المكايدات والمزايدات.. ما يحققه الجوار الطيب والعمل على تحقيق المصالح المشتركة، لا يحقق العداء والاستعداء والتربص ذرة منه، ولن يكسب ولن ينتصر أي طرف مهما أُوتي من مهارات في المكر والدهاء ومهما كان حجم القوى الخارجية التي تحركه وتعده بالنصر والمكافآت?إن وُجدت- وبناء عليه: على الحركة الشعبية أن ترفع يدها فوراً عن الحركات الدارفورية المسلحة ومن المعارضة الشمالية، زماان لما كانت في ميادين القتال الحارب معاها منو؟؟ ثم ثانياً: إذا هم أصدقاء حقيقيين ومخلصين له- كما يدَّعون وبتهمهم مصلحتها- ما كان بقوا ليها زيادة هم وعبء في هذا الوقت المفصلي من تاريخ دولتها التي لم تدخل طور التخلق والتكون بعد.. أيضاً يجب عليها أن تنسى تماماً فكرة السودان الجديد في شمال السودان، حتى ناس عرمان وعقار والحلو تتجاوزهم وتضعهم في خانة كانت لنا أيام، لأن المنطق يقول: إنهم أُناس في دولة شمال السودان وأي ارتباط لهم بالحركة الشعبية يدخلهم تحت طائلة التآمر مع الأجنبي، ويدخلها هي في دائرة التدخل في شؤون دولة أخرى ذات سيادة، (ويصبح هنا البادئ أظلم).. عندها الجنوب فلتفعل فيه ما تشاء وتحقق كل أحلامها الوردية فيه، بعيداً عن دولة الشمال التي (فرزت عيشتها منها) وكلٌ حر في بلده، لا وصاية خارجية عليه.. ولتوظف جهودها وتكرسها لتنمية ورفعة مواطنيها حتى لا يعضوا الأنامل ندماً على متابعتهم وانسياقهم ورائها لفصل الجنوب.. وأن تطلب من حلفائها من الدول العظمى وجيرانها من الدول الإفريقية أن يعينوها على بناء دولتها وعلى تحقيق الأمن والأمان لمواطنيها الذين قالت: إنها قاتلت من أجلهم وصالحت لأجلهم. وتخبرهم بكل حزم أنها حسبها حروباً ودماراً تريد أن تعيش وشعبها في سلام وأمان، من أراد أن يعينها على تحقيق هذه الغايات مرحباً به، ومن لا يريد ذلك فليبعد عنها ويتركها وشأنها.. ثم تبعد هذا الباقان وكل المتهورين وتقدم الحكماء من قادتها لتسيير دفة الدولة الوليدة الغضة التي لا تحتمل بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية سوى التعايش والتعاون مع كل جيرانها، مع علاقة خصوصية وإستراتيجية جداً مع أختها الشمالية كأمر حتمي لابد ولا فكاك منه.. ولتعلم علم اليقين أنها بتعايشها مع دولة الشمال ستكون مكاسبها أعظم وأكبر من التعاون مع أي دولة أخرى، حتى ولو كانت أمريكا وإسرائيل وصويحباتهما، وهذا ما ستثبته لها الأيام (بس كيف تتخلص من هذه العقلية الباقانية المدمرة؟) والأهم من ذلك على الحركة أن ترتب بيتها من الداخل بترميم علاقتها مع القوى السياسية الجنوبية، عليها الاعتراف بها وبحقوقها على قدم المساواة معها، وأن تتخلص من هذه التفرقة العنصرية والعرقية التي ستكون وبالاً عليها، دفن الرؤوس في الرمال لا يجدي بل يعجل بأصحابه إلى هاوية سحيقة يجب أن تعترف بعلتها الحقيقية وتواجهها بشجاعة وتبحث لها عن دواء ناجع مهما كان مُراً، والمدخل إلى ذلك تحاول الإجابة على السؤال التالي بينها وبين نفسها- بتجرد وعقلانية: لماذا تمرد عليها قادة جيشها الكبار والصغار تتبعهم كتائبهم زرافات ووحدانا؟ هنا تكمن العلة واجهوها وعالجوها بقى!! شعب الجنوب قد عانى وما زال بما فيه الكفاية، وما اختياره الكاسح لخيار الانفصال إلا أملاً وطمعاً في سلام دائم وحياة كريمة وعدتموه بها، كونوا في مستوى التحديات التي أمامكم، فقرع طبول الحرب لن تجنوا من ورائه إلا الدمار والخراب، وجهوا جهودكم إلى كل أسباب الأمن والاستقرار وتخيروا أقصر السبل لبناء دولة الجنوب، التي يراقب العالم مراحل نموها بحذر ورهبة. يصبح أيضاً لزاماً على المؤتمر الوطني إذا كان فعلاً له علاقة بالمحاربين للحركة الشعبية أن يرفع يده تماماً وفوراً منهم، فلن يفيدوه بل ضررهم مؤكد.. ويا حبذا لو ترفَّع عن الصغائر وتبنى مساعي مصالحة جادة بين الفرقاء باعتباره الأخ الأكبر الذي يجب أن يأخذ بيد إخوته الذين ما زالوا يعوزهم النضج السياسي، ويتحسسون طريقهم نحو خريطة العالم ليضيفوا إليها دولتهم القادمة.. فإذا استقر الجنوب استقر الشمال، وإذا انفرط عقد الجنوب سيكون الشمال أول وأكبر المتضررين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. خلاص الجنوب أصبح دولة لحال سبيله، أي معارض جنوبي يجب ألا يبقى في الشمال (ما ناقصين قلاقل) صراعاتهم كجنوبيين لسنا طرفاً فيها، فيجب ألا يزجوا بنا في أتونها، الحركة حركتهم وهم ناسها يحلوا مشاكلهم معها بالطريقة التي يختارونها (بس بعيد مننا).. لقد سئمنا اتهامات باقان، وتهديدات عرمان (الأصبح لا جنوبي ولا شمالي فاقد الهوية والوطن) وفتن ألور، ووعيد أتيم، و تحدي قوش، ومندور، وقطبي وربيع، وسباب وشتائم أجراس الحرية والانتباهة!! في حرب يا خوانا أشرس من كده؟؟!!ٌ قُّصر الكلام: إما رسُّونا على بر السلام باختياركم منهج العقلانية والرشد الذي يحفظ للدولتين حق الحياة الآمنة المستقرة، ليرتاح الشعبان من هذا الهم والنكد والمعارك في غير معترك، أو دوروها حرب و(عدِّمونا نفَّاخ النار، كتلوك ولا جوك..جوك) لعل الله يأتي بقوم آخرين يستاهلون هذا البلد ويهنأون بخيراته.