بالقدر الذي تتوفر كل المقومات والحيثيات المقنعة.. والتي تنتفي معها الأسباب المانعة.. فإن الاختيار دائماً ما يتجاوز «تكريم» الأستاذ صديق محمد أحمد البادي والتنويه بنشاطه الجم في مجالات الكتابة الصحفية والتوثيق والبحث وإصدار الكتب الموثقة والتي اعتمدها أمثال البروفيسور عون الشريف قاسم مرجعاً لأهم أسفاره الموسوعية «القبائل والأنساب في السودان» وغيره كثيرون.. وربما لأن الأستاذ صديق أشعث أغبر ذو طمرين لا يؤبه له مع أنه حُجة في الأنساب والتاريخ وباحث لا تفتر له همة.. مثلما يفترَّ ثغره عن ابتسامة وضيئة توحي بالثقة والتواضع وهو يخرج على الناس بجلبابه البسيط وعمامته الصغيرة التي لا يضيف لتمام زينتها «شالاً» أو عمامة أسبير كما يقول الجنوبيون عند وصفهم «للجبهجية».. زول عنده دقن وعمة وعمة إسبير!! ويقولون «نحسب أنه.. ولا نزكي على الله أحداً.. والله يجعلها في ميزان حسناتك.. وجزاك الله خير.. وقد أدخلوا الناس للمساجد ودخلوا هم للسوق!! وقد كان الخوارج أخوف ما يخافون من «الجيش أبو دقن» من مجاهدي الجيش الشعبي.. وقد دفعت أفكار الترابي الآلاف من «صفوة التنظيم» إلى مقاتلهم بزعم أن الجنوب لن يتحرر إلا إذا أريقت على ثراه «الدماء الزرقاء» فسهَّل على العدو المتمرد مهمته بتحقيق أحد أهداف الحرب والتي تترجم «بتدمير قوة العدو المادية والمعنوية!!» وكان على التمرد أن يقاتل بكل قواه حتى يطال «صفوة مجتمعنا» من العلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين وطلاب السنوات النهائية بالجامعات فدفعنا بهم إلى مسارح العمليات النشطة فاصطادتهم نيران الخوارج.. فخسرنا عقولاً ضخمة وشباباً غضاً تقبلهم الله في الصالحين مع النبيين والشهداء.. حتى إذا ما وقعت المفاصلة.. أنكر الترابي شهادة أولئك الصادقين! وقد كان يقيم لهم أعراس الشهداء ويزفهم بالمعازف والدفوف والبخور إلى الحور العين!! وحتى الحور العين لم تنج من فتاوى الترابي الذي أفتى بأن الحور العين ما هن إلا نساؤنا اللاتي نعيش معهن في حياتنا الدنيا!! مع أن الجنة فيها ما لا عين رأت.. ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلب بشر.. وسيُبعث كلٌ على نيته وعند الله تجتمع الخصوم.. ومثلما تنشط في مصر الآن الاتهامات التي تحمل الفريق طيار محمد حسني مبارك مسؤولية التواطؤ في حادثة المنصة التي اغتيل فيها الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات ليقطع الطريق على محمد عبد القادر حاتم الذي كان السادات بصدد اختياره نائباً له عِوِّضاً عن حسني مبارك الذي جاء به السادات من منصب قائد سلاح الطيران تكريماً وعرفاناً للجيش المصري الذي حقق معجزة العبور وتدمير خط بارليف.. وكان الفريق المرحوم سعد الدين الشاذلي أحق به وأهله. فقد راجت شائعات أن الترابي سعى بعد استشهاد المشير الزبير ليأتي هو نائباً أول للرئيس البشير.. وكتب اسمه على رأس قائمة المرشحين للمنصب الذي شغر باستشهاد المشير الزبير وقالها «بعضمة لسانه» للرئيس الذي استهجن الفكرة وجثمان رفيق دربه لم «يبرد» في المقبرة بعد.. ونحن نربأ بشيخنا «السابق» أن يدفعه طموحه السياسي لهذا.. والعلم عند الله وحده لا شريك له. ونعود للأستاذ صديق البادي ذلك الرجل الذي يبذل في سبيل رسالته كل مرتخص وغال.. وقد نال من العذاب والعقاب على يد أجهزة الأمن قبل المفاصلة التي اعتقلته وأساءت معاملته بشكل مريع لكن ذلك لم يمنعه من المضي قدماً.. فاستطاع بإمكاناته المادية المتواضعة أن يصدر «دستة» من الكتب حتى الآن تبارك الله.. فله كتاب عبد القادر ود حبوبة.. وكتاب عن الشيخ الطيب ود السائح.. وعن حركة مزارعي مشروع الجزيرة وامتداد المناقل.. وكتاب عن الشريف حسين الهندي.. وكتاب معالم وأعلام.. وكتاب القبائل السودانية والتمازج القومي.. وكتاب عن أحداث الجزيرة أبا وود نوباوي.. وقصة حل الحزب الشيوعي السوداني.. وكتاب عن رواد الإدارة في السودان.. وكتاب عن أبو الصحف أحمد يوسف هاشم».. ورواد التعليم.. وكتاب الجبهة الوطنية أسرار وخفايا.. هذا غير الكتب التي يعدها الآن للإصدار.. وبتوفيق من الله عز وجل فقد اطلعت على كل هذه الإصدارات ليس لأنها تقع في مجال اهتمامي فحسب ولكن لأنه يقدم لكتبه بشهادة طوعية تقول دائماً «انه يبذل قصارى جهده للوقوف على الحقائق الصحيحة والمعلومات الدقيقة بلا زيادة ولا نقصان ودون أن يغمط أحداً حقه.. أو يضيف لآخر ما لا يستحقه.. مع إبراز الحقائق كما هي عارية من المساحيق والطلاء الخادع الكاذب بلا تهيب لأي ردود فعل لأن الكتابة «عند ذاك» تغدو مسخاً مشوهاً خاضعة للعواطف خالية من المحتوى والمضمون.. وهكذا يضرب صديق البادي لنفسه طريقاً يبساً في اليم الذي تتلاطم فيه أمواج النفاق السياسي وتجيير المواقف لصالح هذا الحزب أو تلك الفئة أو أولئك الأشخاص.. ومن الملاحظات التي وقفت عندها صورة فوتوغرافية تجمع بين محمد نور سعد القائد العسكري للجبهة الوطنية ووالدته وشقيقته أثناء محاكمته التي قضت بإعدامه وكان وجهه يشع بالرضى وابتسامته الواسعة توحي بالثبات كانت بالإجمال صورة ضاحكة.. مع أن صديقي اللواء محي الدين محمد علي قال عن ذلك اللقاء إن محمد نور سعد كان جامد الوجه لا يعرف الابتسام.. والصورة لا تكذب وكذلك الكاميرا.. أليس كذلك يا سعادتو؟ ولأن الذكرى تنفع المؤمنين فإنني أذكر أخي وصديقي الأستاذ «الشاب» السموأل خلف الله وزير الثقافة وهو يعرف ما يجب عمله.. وقديماً قيل «أعط أمرك لحكيم ولا توصه».. قال لي صديق البادي ناس الأمن! اعتقلوني! فقلت له «البادي أظلم!!» وهذا هو المفروض