قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (كم تركوا من جنات وعيون(25) وزروع ومقام كريم(26) ونعمة كانوا فيها فاكهين(27)كذلك وأورثناها قوما آخرين(28) فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) صدق الله العظيم (الدخان 25-29) سنن الله الكونية تتجدد مرة بعد مرة في ذات الأرض، وذات المكان، أرض مصر التي تردد ذكرها في القرآن أكثر من مرة، وها هي تعطي العبر لأهل الاستكبار والاستعلاء على الناس، بأن سلطانهم الى زوال مهما ترادفت عليه السنون، واستكان الناس لحكمهم الظالم وبطشهم، يسومون الناس سوء العذاب، يحسبون ما لهم من زوال، لكن الله يأخذهم بغتة أخذ عزيز مقتدر. فرعون مصر الأول الذي طغى في البلاد، فأكثر فيها الفساد، وقال أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي.. نزلت هذه الآيات فيه وفي قومه، فكم تركوا من جنان وزروع وحدائق خاصة وعامة، ومقام كريم، ومنابر عليها يظهرون، وسعة ودعة ونعم ظاهرة وباطنة، يجوبون الأرض بين حراس وحشم وخدم وحجاب، أشرين بطرين بتلك النعم وذلك السلطان غير المحدود، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وأورث الله قوم موسى أرضهم وديارهم من بعد ذلة واستضعاف كما قال تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين(ونمكن لهم في الأرض) ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) فأجرى عليهم رب العزة سنته في الاستبدال، فذهبوا غير مأسوفٍ ولا مبكي عليهم ولم ينظرهم الله أو يزجهم الى الآخرة، بل أراهم عاقبة أفعالهم قبل أن يتركوا هذه الدنيا، وكانت العرب تقول عن موت السيد منهم(بكت له السماء والأرض) وقد قال أحد الشعراء في ذلك: والشمس طالعة ليست بكاسية تبكي عليك نجوم الليل والقمرا وكان من مبالغاتهم عند فراق أحد العظماء، أن على الزرع الأخضر أن يجف حزناً وجزعاً كما قالت الشاعرة ليلى بنت طريف الشيباني(الخارجية) ترثي أخاها الوليد: أيا شجر الخابور مالك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف وكأني بأعرابي من الشكرية لم يسمع لقول ليلى الخارجية، لكنه يقول للأشجار والأعشاب المخضرة في يوم فراق (شيخ العرب أبوسن)، وهو ينهال عليها قطعاً (إت مخدر وشيخ العرب متحدِّر)، فحق لأولئك أن يبكوا من يعزونهم، لكن الله أخبر عن فرعون ومن أتى من بعده، سالكاً طريق الاستكبار والاستعلاء ألا بواكي لهم في الأرض ولا في السماء، فلا مصاعد عملهم في السماء تبكيهم، ولا مواضع عبادتهم في الأرض، فهم عن كل ذلك بعيد. في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عندما أزيح الملك فاروق عن الحكم، بعد تسلط واستباحة لأموال الناس وحقوقهم بقيام ثورة 23 يوليو في مصر، خرجت صحيفة الحركة الاسلامية الحائطية في جامعة الخرطوم بعنوان كبير بذات الآيات القرآنية فيه: (كم تركوا من جنات وعيون...)، وكان الظن أن يتعظ رجال ثورة 23 يوليو بما فعل الله بفرعون في أرض مصر، وبما فعل الله بفاروق ملك مصر والسودان، لكنهم سرعان ما أخرجوا فرعوناً جديداً (حسني مبارك)، فلم يرع للشعب حرمة ولا حقاً، وظل حتى لحظاته الأخيرة يمتن على شعبه ولا يحاسب نفسه باستباحة المال العام له ولأبنائه والمقربين، من رجال الأعمال الذين جمعوا بين السلطة والثروة، فكان لابد لسنة الله الكونية أن تتجدد بشباب لا يملكون غير الإيمان بالله وبوطنهم، ويحبون أن يكون شعبهم في الحياة الكريمة ورفع الظلم، فكانت ثورة 25 يناير 2011 وإنها لتذكرة لكل الحكام العرب والمسلمين أن يبسطوا العدل، ويمنحوا الحرية لشعبوبهم حتى لا يصيبهم ما أصاب غيرهم، وإن كان فرعون قد قال قبل موته (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ü آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(، فقد قال الرئيس بن علي في آخر كلماته قبل أن يرحل (أنا فهمت..... أنا فهمت....)، وقال له الشعب التونسي الآن!! أي لا ت حين مندم وقد فات الأوان، لمثل ذلك الإيمان وذلك الفهم المتأخر. فلنمضي على طريق الحق متوافقين على كلمة سواء عنوانها في معنى قول الله (إن الله يأمر بالعدل والاحسان)، متمسكين بإيماننا دون وهن ولا حزن حتى يكتب الله لنا الغلبة في الدنيا والآخرة. (ولا تهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)-صدق الله العظيم برلماني قيادي بالمؤتمر الوطني