أصدقائي ! نحن قد نغفو قليلا ، بينما الساعة في الميدان تمضي ثمّ نصحو .. فاذا الركب يمرّ و إذا نحن تغيّرنا كثيرا رسم الشاعر المصري القدير أحمد عبد المعطي حجازي، لوحة جائشة بالحركة، والألوان، تجسد ما يضطرب الناس فيه من لهاث في سوق القرية، بكل ما يزدحم فيه من نماذج بشرية، وصور ومشاهد تجسد المفارقة الحياتية، التي يعيشها الفقراء والبسطاء من القرويين.. وقد استوقفتني منذ عهد التحصيل إحدى الصور التي رصدتها عين الشاعر البصيرة، والتي تترجم غايات أحلام البسطاء، التي لا تقبل من الأوصاف غير التواضع والبساطة، وتتبلور في قوله: وحذاء جنديٍّ قديم يتداول الأيدي، وفلاح يحدِّقُ في الفراغ: «في مطلع العام الجديد يداي تمتلئان حتما بالنقود وسأشتري هذا الحذاء» استحضرت هذا الحلم، وأنا اتمعن في أحلام الناس في هذا العصر، بعد ما يقارب نصف قرن من الواقع الذي صوره الشاعر، في إحدى بؤر التخلف والضياع، فالفلاحون اليوم، بمنأى عما كان عليه أسلافهم، فقد لوثتهم الحضارة الوافدة بتراثها المادي، الذي جعل منظومة القيم والأخلاق تتراجع للوراء، وتهوي إلى درك الضياع، ومع ذلك فإنها أحسن مما حاق بأهل الحواضر والمدن.. فهل يتصور الفلاح اليوم، أن غاية أحلام الفلاح في تلك الحقبة التاريخية، أن يحصل بعد موسم الحصاد على المال الذي يمكنه من شراء حذاء جندي قديم!! يا لها من أحلام متواضعة، أو فلنقل خنوع ورضا بواقع مذر، لا يحفظ للإنسان كرامته وإنسانيته، ويتيح له الحد الأدني من مقومات الحياة.. هذه الشريحة المسحوقة من الفلاحين، تضافرت العديد من العوامل والموثرات في تشكيل قناعاتها، وتزدحم الأمثال الشعبية بقدر كبير من تلك المؤثرات، مثل: عش قانعاً راضياً ولا تتطلع إلا لموطئ قدميك ولا ترفع رأسك للأعلى لتنكسر رقبتك وعلى قدر لحافك مد رجليك.. وكأن معاني الخير ارتبطت بالقناعة والاستسلام للقدر والواقع المفروض.. وصياح ديكٍ فرّ من قفص، وقديس صغيرْ: «ما حك جلدك مثل ظفرك» و «الطريق إلى الجحيمْ من جنة الفردوس «أقرب» والذئاب تعدو على من لا كلاب له، والحاصدون المتعبون: زرعوا، ولم نأكلْ ونزرع ، صاغرين، فيأكلون والعائدون من المدينة: يا لها وحشا ضرير صرعاه موتانا، وأجسادُ النساء و«الحالمون الطيبون» وخوار أبقار، وبائعة الأساور والعطور كالخنفساء تدب: «قبرتي العزيزة» يا سدوم! لن يصلح العطار ما قد أفسد الدهر الغشوم وبنادق سود ومحراث، ونار تخبو، وحداد يراود جفنه الدامي النعاس: