يحكى أنه، بل من لطايف ما ورد عن شيخنا هذا فى الوعظ الحسن أنه سمع بأن أحدهم لا يصلي ولا يريد أن يسمع نصحاً، فلم يغضب ويثور فى وجهه ويتهمه بالخروج عن الملة، وإنما ذهب إليه متبسماً وأخذه جانباً ليسأله برفق ( بصراحة كدة لماذا لا تصلي؟). أجابه وبصراحة أيضاً واستلطاف لطريقته فى طرح السؤال الذى كثيراً ما وجهه إليه آخرون ورفضه، قال ببساطة ( إنني لا أحفظ حتى سورة الحمد، فكيف أصلي ) . تبسم الشيخ كمن اكتشف السر وقال له: ( لا عليك، هناك من يقرأ نيابة عنك، فقط اذهب وصل فى الجامع القريب من دارك)، وقد كان الرجل اعتادت خطاه المسجد وحفظ السور التى يصلي بها الإمام. ومثل هذه الحكاوي كثيرة تنسب للشيخ عوض الله صالح، وللشيخ الشعراوي، والشيخ الكبيسى، والشيخ محمد حسين يعقوب، ومثلهم كثيرون الآن بيننا، يملكون قلوب الناس وعقولهم عبر فتاوي على الهواء، تتنافس عليها القنوات الفضائية والإذاعات، وباستخدام( الجوال) للرد على فتاوي الجمهور مباشرة، كما تفعل هيئة علماء السودان، ولعلها تجعلها نواة لقناة دعوية فى مصاف قناة (الرسالة)، التى تميز خطابها فحصلت على ( الايزو). أسلوب فريد فى الدعوة والوعظ تتنافس به هذه القنوات والإذاعات والأجهزة الرقمية، حيث ظهر نجوم فى مجال الخطاب المبتكر الذى يرِّغب الناس فى معرفة الدين (المعاملة) ويحفزهم فيما يصلح الحال، إنه أسلوب شق طريقه الى جمهور كبير من المشاهدين والمستمعين والقراء ومتصفحي الانترنت، فهو منهج اتصالى مواكب لحاجة الجمهور ومتصل بحياته اليومية ويتسم بالحيوية والتفاعلية والتأثير الفعال. وكل هذه المواصفات هى مما يدرس فى كليات الإعلام ويتعلق بتصميم الرسائل الإعلامية فى عصر تكنولوجيا المعلومات، بشروط الموضوعية والإبهار والقدرة على المنافسة وكسب مشاركة الجمهور وارضائه والاحتفاظ به، بل اسعاده. والذى يجعل الاحتفاظ بالجمهور ممكناً برغم زحمة قنوات الإثارة والالهاء، هو أن تحدث الناس فيما يعنيهم، الصحة، المعرفة، المشاكل الحياتية اليومية، الحلال والحرام، الأوضاع داخل الأسرة، الضغوط والعلاقة مع الآخرين.. هكذا يبدو المشهد على الهواء مباشرة وبمنتهى الشفافية، وبمشاركة من الجمهور تتسم بالوعي والصراحة والشجاعة. و( لا حياء فى الدين ). بالإمكان أن نلاحظ وأن نقيس مقدار هذا التجاوب مع وسائط الاتصال من خلال التطور الإعلامى والصحفي الذى حدث فى بلادنا فى السنوات الأخيرة، فالصحف تعددت وتنوعت معالجاتها لشؤون الرأي العام، والتلفزيون أصبح قناة فضائية والإذاعة تفرعت وتوسعت، والإذاعات الخاصة ظهرت لأول مرة منفردة بجمهورها، وبعضها تطور الى قناة فضائية لاستيعاب واستثمار ثمار انفتاح الإذاعة والتلفزيون على العلماء والمختصين والموهوبين والمنحازين لبرامج الإعلام التفاعلي الهادف. والذى يجعل هذا النوع من البرامج أكثر تجاوباً وأعلى تاثيراً هو تخصصها فى تناول قضايا الناس واعتمادها على الشفافية وأسلوب المشاركة، وتوخيها ما يصلح الحال ويحافظ على التربية والسلوكيات فى عالم متغير تتفاقم مشاكله كل يوم، فالعدالة مختلة والأمزجة (معكننة) والصدور ضيقة ( إلا من رحم ). نحن أمام إعلام مغاير يحاول أن يناقش ويعالج ويفرض نفسه بالإقناع، إعلام متعته أنه هادف، يعطي الناس ما يبقى فى ذاكرتهم حين ينسون كل شىء، ولحظة يتشبثون بما ينجي عند الشدائد، إننا نجد فى ظروف المتغيرات والتحديات أن الخطاب السائد أحوج ما يكون للانسجام مع حاجة الناس، ولغة القانون، وهيبة الدولة، ومتطلبات الشفافية والالتصاق بالقيم، والاحتكام الى (التى هى أحسن)، أي أن نتعامل بمصداقية، وهذه (المصداقية) مع بساطتها وقابلية التعامل معها هى خلاصة القيم التى حثت عليها الأديان وتحلت بها حضارة أهل السودان. لو أننا نتعامل بلغة القياس لعرفنا أين كنا وأين نحن اليوم، ومقدار ما أحرزنا من تطور وأي المناهج نرتضيها ونتواضع على الأخذ بها، ربما تبرز مع هذه المستجدات الواعدة الآن فكرة أن نقيس ونقارن، بما في ذلك قياس تأثير الخطاب العام بين فترتين، أي فترتين.. فهل الخطاب الحالي وما يثير من مخاوف سيتأثر إيجابياً بميثاق الشرف الانتخابى المقترح، لحسن الحظ، من جهة الأحزاب، ومن باب التحوط مبكراً فى مواجهة استحقاقات حملة غير مسبوقة، ولا نقول شرسة. هى دعوة نراها من خير ما أثمرت العقلية السودانية المعاصرة، لو خلصت النوايا. وبالإمكان أن تعززها تدابير أخرى كالالتزام بقانون الانتخابات الذى أفرد نحواً من خمس عشرة مادة لمكافحة التفلتات ومظاهر العنف. إن الدعم الأكبر لكل ذلك هو إدارة خطاب إعلامى موضوعي، يستعصم بالقيم ويعين على انتخابات نزيهة حقاً، بل هذه فرصته.