عاصمة الأدب: يذكر عن مدينة الاسكندرية أنها كانت عاصمة الأدب في العالم الاغريقي، وعلى الأخص في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد جمعت آداب مصر وآشور وفينيقيا، وترجمتها، وكانت جامعة الاسكندرية وهي موطن العلم موطن الكتاب، وفي جامعة الاسكندرية تألقت مكتبة الاسكندرية التي ضمت نحو سبعمائة ألف كتاب على هيئة مجلدات، ولما ضاقت بهذه الكتب على سعتها، أقام بطليموس قيلادلفيوس مكتبة أخرى عرفت بالمكتبة الصغرى، وكانت لفائدة الأهالي، بينما الكبرى لطلبة العلم، وحوت المكتبة الثانية ما يقرب من ثلاثة وأربعين ألف كتاب، وبطليموس هذا أراد أن يضم الى مكتبة الاسكندرية ترجمة للكتاب المقدس، فخصص سبعين شيخاً للترجمة التي سميت الترجمة السبعينية، ويحتفظ التراث اليهودي بقصة أحد المترجمين وهو سمعان الشيخ، والذي جاء في نصيبه ترجمة أجزاء من سفر أشعياء، وعلى الأخص الإصحاح السابع الآية الرابعة عشرة، والتي تقول: ويعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل، ووقف المترجم أمام الآية وشعر بصعوبة فهمها لدى غير اليهود من العالم الوثني، وهنا كتب الفتاة بدلاً من العذراء، وجاء ملاك من السماء ليكتب العذراء، وحدث هذا لأكثر من مرة، بعدها أوحى لسمعان الشيخ انه لا يرى الموت قبل أن يعاين هذا الحدث، واذا افترضنا أن عمره سبعين عاماً وأضفناها الى تاريخ الترجمة فإن هذا يعني أنه عاش ثلاثمائة عام حتى رأى المسيح المولود من عذراء، ويذكر لوقا البشير والفنان أن سمعان أتى بالروح الى الهيكل، وانه أخذ الصبي يسوع على ذراعيه وبارك الله قائلاً: الآن تطلق عبدك يا سيد بسلام حسب قولك، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب، وبعدها فارق سمعان الحياة الى الحياة الأخرى، وحتى الآن هناك ترتيب في كنائس لبنان أن ينتظر الكاهن أول طفل قادم، ويحمله على ذراعيه ويطوف به الهيكل، بادئاً في صلوات رفع البخور، وفي الكنيسة القبطية يحمل الكاهن الانجيل ويدور حول المذبح قائلاً: الآن يا سيد تطلق عبدك حسب قولك بسلام. هذا وقد بقيت مكتبة الاسكندرية كعبة العلماء، ومركزاً للدراسات المتخصصة، وأيضاً مركزاً لانتاج الأوراق البردية والجلود المعدة للكتابة، الى أن صارت طعاماً للنيران في سنة 48 قبل الميلاد، وبعدها في زمن عمرو بن العاص. المكتبة الجديدة: وأعيد الى الاسكندرية مجدها القديم عندما تم افتتاح مكتبة الاسكندرية في سنة 2002 م، والتي تمتعت بزيارتها في عام 2009م، وهي مكتبة ضخمة وفخمة، وبها العديد من الكتب والمخطوطات، وقد علمت أنه في يوم 3/12/2007م أقامت جمعية أصدقاء مكتبة الاسكندرية باليونان حفل تكريم للرئيس حسني مبارك، وقد أهداني المستشار الإعلامي الدكتور عبد الجيد عمارة كتابه عن الزيارات الخارجية للرئيس حسني مبارك عام 2007م، وجاء من بينها زيارته لليونان، وفي كلمته ومنها علمت أن لليونان دوراً كبيراً في إحياء مكتبة الاسكندرية في نفس الموقع، الذي كانت فيه منذ ألف وستمائة عام، حيث فيها التقت الحضارة المصرية القديمة بحضارة الاغريق، ومعاً على الطريق أسهما في تاريخ البشر وتراث الإنسانية، ثم عادت مكتبة الاسكندرية منارة للمعرفة والتنوير وسنداً وعضداً لكل باحث، وفي نفس اللقاء عبر وزير خارجية اليونان عن أن العلاقات بين مصر واليونان تعود جذورها الى عمق التاريخ، وأن مكتبة الاسكندرية هي احدى دعائم العلاقات في هذا العصر، وقالت ماريان عضو مجلس أمناء مكتبة الاسكندرية إن مكتبة الاسكندرية هي كبرى مكتبات العالم، ويؤمها 800 ألف زائر سنوياً، وقد دخل الى موقعها الالكتروني عام 2007م فقط مائة مليون زائر، وقالت ماريان إن الروح الملهمة وراء هذا العمل، كانت السيدة سوزان مبارك التي سجلت والرئيس مبارك صفحات جديدة في التاريخ بهذا العمل، وصنعت مستقبلاً أفضل للشباب والمعرفة والحضارة. إنني أعتز جداً بمدينة الاسكندرية، وقد كانت فيها أيضاً مدرسة الاسكندرية، حيث تدرس الفلسفة بجميع أنواعها وفروعها، وعندما استقبلت مصر المسيحية انضم عدد من علماء هذه المدرسة الى الكنيسة، وقد أسس مارمرقس مدرسة الاسكندرية اللاهوتية، التي بدأت تنمو على يد العديد من العلماء والذين كان بعضهم من كبار رجال الفلسفة قبل المسيحية، وتجمع الشباب من كل بلاد الشرق للدراسة في العلوم اللاهوتية، ويقال إن المدرسة اللاهوتية في بيت اينانوس وهو أول أسقف للاسكندرية، وأول من اعتمد على يد مرقس الكاروزه، وصارت مدرسة الاسكندرية اللاهوتية هي قوة المسيحية الفكرية، بل كانت من أهم معالم اسكندرية القرن الثاني الميلادي، وكانت الدراسة عن طريق الحوار أو السؤال والجواب، على غرار الطريقة السقراطية، وكان منهجها هو الكتاب المقدس، وتعاليم الرسل في الرسقولية، ونظراً لفلسفة الحوار هذه ظهرت الفلسفة الغنوسية، والغنوسية هي المعرفة، ويرى أصحابها أن بلوغ الإيمان لا يتوقف على العمل بالوصايا، وإنما تدخل فيه المعرفة.