وصل إلى بريدي الإليكتروني مقال محكم أشرت إليه في المقال السابق من الأستاذ محمد الأنور شيخ إدريس، ولأهميته أنشره كاملاً ، وقد اخترت له العنوان المثبت بعاليه.. ما ذُكر السادة الصوفية إلا وقّرنت بهم كل القيم الجميلة والمعاني السامية التي جاء بها الدين الحنيف متمماً لمكارم الأخلاق، ولعله من المعلوم بديهة ما للسادة الصوفية من أدوار فاعلة ومنفعلة في مجتمعاتنا وعلى كافة الصعد متسربلين بهذه القيم والمثل، بدءاً من تربية النفوس وتزكيتها والترقي بها في مقامات السمو، ولم يتقوقعوا في خلواتهم كما هو شائع خطأً، ولكن شاركوا وما زالوا في تفاصيل حياتنا مرشدين ومقومين وموجهين، بل وحتى تأثيرهم غير المباشر في شئون السياسة العامة للدولة بادٍ للعيان عبر النصح والإرشاد والتوجيه الصادق، وإبداء الرأي الثاقب والمشورة السديدة، ولكن دون التوغل في دهاليز السياسة والانجراف مع تفاصيلها والانغماس في معتركاتها، فكان مشايخ الطرق الصوفية - وهذا دأبهم - محل تقدير واحترام وثقة الحكام والساسة من لدن سلاطين الفونج وحتى عصرنا الحالي.إن السادة الصوفية كما يشهد التاريخ بذلك، كان تأثيرهم قوياً ولا يزال في صياغة المجتمع على القيم النبيلة، والدفاع عن ثوابت الدين وحرمات الوطن، وتوحيد كلمة أبنائه ولم شملهم والجهاد في سبيل الحق أينما كان، ويبرز ذلك الدور للسادة الصوفية بشكل واضح وجلي في ما تقوم به الطريقة السمانية من مجاهدات عبر التاريخ، وغير خافٍ على أحد أن الإمام المهدي قد تخرج في هذه المدرسة السمانية شيخاً مجاهداً ضد الاستعمار والظلم والقهر فوحد كلمة الأمة حتى انتصرت دعوته، ثم نذكر دور العارف بالله الشيخ قريب الله ومواقفه الواضحة والشجاعة التي سطرها له التاريخ مع المستعمر، ولاسيما موقفه المشهود في سراي الحاكم العام حين أمر فضيلته برفع الأذان وإقامة الصلاة في موقف أدهش كل الحضور من الأعيان والمشايخ، ثم مروراً بدور الشيخ محمد الفاتح في النصح والإرشاد والإصلاح، خصوصاً إبان الاضطرابات السياسية التي حدثت بين الأحزاب ونظام مايو، ومن ثم الدور الكبير والمؤثر للإمام المجدد البروفيسور الشيخ حسن الفاتح قريب الله، وجهوده في توحيد الصف الوطني وتقريب وجهات النظر المتباينة لكل الأطراف السياسية، انطلاقاً من مبدأ الحيادية والحدب على مصلحة الوطن، فكان عنده الرأي السديد والقول الرشيد الذي يجمع ولا يفرق، حتى صارت داره جامعة لكل ألوان الطيف السياسي، من حكومة ومعارضة ورجال سلك دبلوماسي ومبعوثين دوليين، وهذا هو دأب الطريقة دوماً (الحياد الإيجابي) باعتبار أن الطريقة أكبر من التحزب فلا يكون هنالك ميل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، مع الاحتفاظ بعلاقات التآخي والمحبة مع كل الأطراف تجمعنا كلمة لا إله إلا الله، بل وحتى مع الذين يخالفوننا العقيدة نلتقي معهم في سبيل الاجتماع على كلمة سواء وانطلاقاً من منهج الوسطية التي تقوده الطريقة السمانية، وما جهود الشيخ حسن تلك إلا من أجل حماية هذا الوطن وصونه من الهجمات الشرسة، وحلقات التآمر الخبيثة ضده، ولتفويت الفرصة بقدر الإمكان على أعدائنا للنيل من تراب هذا الوطن.كان الإمام الشيخ حسن يحمل هم الدعوة والوطن بين جنبيه في كل لحظات حياته، فقد كان فضيلته مدركاً وواعياً تماماً لدوره الديني والاجتماعي المؤثر، وحتى بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى حمل أبناؤه وتلاميذه من بعده هذا الهم، سائرين على دربه مستنيرين بهديه وصدق توجههم، يقود مسيرتهم حامل اللواء وخليفة الآباء فضيلة الأستاذ الشيخ محمد نجله وخليفته، على هدى وبصيرة ومنهجية واضحة وخطط مدروسة تهدف إلى الانتقال بالتصوف نحو مرحلة جديدة ترمي إلى النهوض المؤسس بالمجتمع ونشر الدعوة متسلحين بسلاحي الإيمان والعلم، وتشهد بذلك كل المؤتمرات والفعاليات التي تقوم بها الطريقة داخل وخارج البلاد، دفاعاً عن هذا الدين الحنيف وبلادنا الحبيبة في ظل التهديد الذي يواجهه السودان بتقسيمه وتشتيت كلمة أبنائه ومن ثم اقتسام ثرواته الباطنة والظاهرة. إن الجهود التي بذلها الشيخ حسن لا تحتاج إلى إشارة وتعريف ولاينكرها إلا من في قلبه هوى، اعترف له بها الأعداء قبل الأصدقاء إن جاز التعبير وإنه لمفخرة لهذا الوطن أن يكون من رجاله مثل هذه الشخصية الفذة.ولما كان الاعتراف بفضل أولي الفضل من شيم الكرام الأوفياء، فقد اعترفت الدولة بفضله وكرمته ممثلة في شخص السيد رئيس الجمهورية، تكريماً يليق بالمكرَّم والمكرِّم على السواء، ومنحه السيد الرئيس الوسام الذهبي للعلم والآداب والفنون في العام 2003م ، والطريقة السمانية الطيبية القريبية الحسنية اعترافاً منها بهذا الجميل ووفاءً وعرفاناً لذلك التكريم، تزمع الآن للترتيب لمقابلة الإحسان بالإحسان، والوفاء بالوفاء للسيد الرئيس، وستقوم بتكريمه في يوم الاثنين 15 مارس الساعة الثالثة عصراً بمسيد الشيخ قريب الله بأم درمان التكريم الذي يليق به وبالطريقة على حد سواء، في لوحة صوفية روحانية تأصيلية رائعة، نحسب أنها ستخرج في ثوب قشيب بإذن الله.