لن ترفض لسائل طلب (حاجة لله)، وفي ذهنك أن هذا خير لك وأبقى في الدنيا والآخرة، وأنه ما نقص مال من صدقة.. وأن الحسنات يذهبن السيئات.. لن ترفض أن تعزز رصيدك من أعمال الخير لينفعك يوم الحساب لذلك ستمنح السائل ولو جاءك على فرس، حتى وإن كنت تعلم أنه يسأل الناس إلحافاً ولم تبق في وجهه مزعة لحم. «التسوّل» مهنة قديمة، وأقول مهنة وأعني ذلك لأن بعض الناس اتخذوا من التسوّل مهنة للتكسب دون حياء، ودون بذل الجهد للتكسب من (عمل اليمين) أو (عرق الجبين)، وقد نشأ التسوّل في بداياته كظاهرة ارتبطت بالمجتمع الإنساني بعد دروجه في المرحلة الحضارية لأن التسول لم يكن معروفاً في ظل النظام الإنساني (المشاعي) الأول الذي ظل قروناً عديدة ولكن بعد الاستقرار والتحضر وظهور المجتمعات الطبقية التي قامت عليها الحضارات القديمة وبداية نظام الرقي ثم عدم التكافؤ في الثروات في التملك والحيازة والتوزيع، وبروز الفقر كأخطر الظواهر الإنسانية، حتى إن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال عنه قولته الأشهر:(لو كان الفقر رجلاً لقتلته).وقد نادت الأديان السماوية بإغاثة الملهوف والسائل وصاحب الحاجة والرفق بهم. مع ذلك كله نقول إن التسوّل ظاهرة معيبة.. لا يمكن اجتثاثها نهائياً ولكن يمكن تقليصها من خلال سياسات الدولة الخاصة بالضمان والتأمين الاجتماعي، ورواتب التقاعد، ورواتب العطالة المعروفة باسم الإعانات وغير ذلك من سياسات يمكن أن تقلص من وجود المتسولين في الشوارع والطرقات إلى أدنى الحدود، رغم أن هذه الظاهرة موجودة في أغنى البلاد وأقواها. عدد المتسولين في شوارع الخرطوم يتزايد يوماً بعد يوم، ولاأعرف كم عددهم، وليس هناك إحصاء دقيق لأعدادهم وإن أسفرت الحملات التي قامت بها سلطات ولاية الخرطوم مؤخراً لجمع المتسوّلين، عن جمع ألف ومائة وثلاث وعشرين متسوّلة من النساء مقابل ستمائة وستة عشر متسوّل من الرجال بين هؤلاء وأولئك أكثر من خمسين طفلاً يستخدمون (كأدوات) تسول مربحة. الخطورة ليست في هذا العدد لأنه ليس كبيراً مقارنة بثمانية ملايين هم سكان الخرطوم الولاية، لكن الخطورة تنبع من أن أكثر هؤلاء المتسوّلين هم من الأجانب، وذكرت السلطات أنها بصدد ترحيل مائة واثني عشر متسوّل ومتسوّلة بالطائرات من مطار الخرطوم إلى بلادهم في غرب أفريقيا، ومن المفترض أن يغادروا اليوم السبت، وقد كلفت تذاكر سفرهم مائة وخمسة وثلاثين ألف دولار أمريكي ب(التمام والكمال)، وقد أسهمت سفارات بلادهم في استخراج وثائق سفرهم وأوراقهم الثبوتية حتى يغادروا إلى أوطانهم وتم حظر هؤلاء المتسوّلين من دخول البلاد مرة أخرى، ولكن من يدري، فربما غادروا طائرين ليأتوا راجلين طالما أن حدودنا طويلة وممتدة.. ومفتوحة. الخطورة الأكبر ليست في ما أشرنا إليه وإمكانية عودة المغادرين بتأشيرة خروج بلا عودة.. الخطورة في أعداد كبيرة موجودة الآن بالخرطوم ومدن السودان الأخرى رفضت سفارات بلادهم الاعتراف بهم، وبعضهم له أهل وقربى في بلادنا.. والخطورة الأكبر ستكون من الطوفان البشري المتوقع عبر حدودنا الغربية، خاصة وأن الكثير من دول الجوار الأفريقي تعاني من مرارات الفقر والمسغبة، وترى في بلادنا الملاذ.. والجوار معاً.. وقد توقفت الحرب في دارفور الآن وأصبح الإقليم آمناً يتجول فيه الشيخ بلا معين والأعمى بلا عكاز .. استعدوا.