يبدو أن ما تناولناه يوم أمس على هذه المساحة، قد وجد اهتماماً كبيراً لدى شريحة مقدرة من شركاء «آخر لحظة» وقرائها، وقد كان حول دخول فصل الصيف مبكراً وبقوة لم تكن متوقعة.. لذلك تلقيت رسائل الكترونية، وهاتفية، وورقية، وشفاهية عديدة، ارتبط أكثرها بضرورة تنبيه المسؤولين في مؤسسات الدولة، بما يجب أن يقوموا به لمواجهة هذا الصيف اللاهب، الذي تجاوزت فيه درجة الحرارة أعلى التوقعات. ومع هذا كانت هناك رسائل طريفة، وأخرى محرضة على الاستزادة في تناول هذا الموضوع، رغم أن ما كتبناه كان كافياً أو هكذا بدا لنا، لأن الذي نعاني ويعاني منه نصف الكرة الأرضية الشمالي، هو نتاج مؤسف ومحزن لسلوك البشرية، ونشاطها الاقتصادي، والاجتماعي، والصناعي، الذي بدأته منذ عقود، ولم يتخيل الساعون للنهضة أن يؤدي ما يقومون به الى ما نعاني منه الآن، وأوله ثقب الأوزون المتزايد، وأخطره عملية التغيير المناخي الذي يقول العلماء إن متوسط درجة الحرارة فيه خلال الصيف في بعض الأقطار ستكون خمسين درجة..! مؤكدٌ أن الصيف الحالي الذي نعاني منه وفيه، لم يكن هو ذات الصيف الذي غنى له الشاعر الجميل عبد الوهاب هلاوي في الرائعة الزيدانية: (القاش وشمس الصيف.. والقيف بعاين القيف) المعروفة في قاموس الغناء السوداني الحديث باسم (فراش القاش)، فقد انتهى عصر الصيف الخفيف، الذي يتخفف فيه الإنسان من الثياب الثقيلة، ومن الهموم، أو كما كان يقول بعض من أسلافنا (صيف تُخفف فيه الهدوم والهموم).. فالصيف الآن ملتهب ويجعل كثيراً من المناطق داخل بلادنا نقاطاً قابلة للالتهاب والاشتعال والانفجار، خاصة مناطق الرعي التي ينتقل لها الرعاة بماشيتهم وحيواناتهم طلباً للماء والكلأ، وذات هذا الصيف يجعل الأعصاب أكثر قابلية للتلف.. وانفعالات البشر السلبية تزداد مع حرارة الجو، وربما لذلك كنا نصف سلوك الانجليز تجاه المشاكل العصية والصعبة ب(البرود).. برودة الجو في أوربا وفي بريطانيا على وجه التحديد، هي مفتاح فهم السلوك الذي نصفه بالبرود الانجليزي.. وقدامى الشعراء - خاصة العرب - في العصور القديمة والعهود المنصرمة، شكوا من الصيف كثيراً والنماذج عديدة ومتنوعة، وهناك- مثلاً-ما قال به الأخطل: جرت عليه رياح الصيف حاجبها حتى تغيَّر بعد الأنس أو خملا أو ما جادت به قريحة كثير عزة الذي يتحسب لرياح الصيف، لأنها لا تجلب إلا البلايا، عندما قال: وهبَّت رياح الصيف يرمين بالسفا بلية باقي قرمل بالمآثب أو ما وصف به الكميت بن معروف الأسدي أجواء الصحراء في الصيف عندما قال: وقد وقفت شمس النهار وأوقدت ظهيرتها ما بين شرق ومغرب وريقة يوم ذي سموم تنزلت به الشمس من نجم من القيظ ملهب علينا أن نتذكر بأن الصيف هو نفس من أنفاس جهنم، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم) اللهم إنا نسألك أن تدخلنا ظلاً ظليلاً، وأن تجعلنا في جنتك، لا نرى فيها شمساً ولا زمهريرا.. وأن تجعلنا بين ظلال وعيون، وأن تقينا يا رحمن يا رحيم عذاب السموم.. آمين.