في مضمار مسألة سلام دارفور ومسيرة المفاوضات بين الأطراف المتنازعة في مدينة الدوحة تحققت التوقعات التي أشرنا اليها في هذه المساحة قبل شهر تقريباً من بداية العملية الانتخابية وافتراضات نتائجها التي تحققت بالفعل، تلك التوقعات التي تخص أحد الأطراف المؤثرة في عملية السلام، وهي حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل. مجمل التوقعات المشار إليها أننا توقعنا أن تواجه حركة العدل والمساواة صيفاً ملتهباً، وتجد الحركة نفسها في جحر ضب، بعد نتائج الانتخابات، وأن اتجاهات المفاوضات وتوجهات الوسطاء واستعدادات الأطراف المتنازعة خاصة الطرف الحكومي، فإن ثمة تحولات عميقة تحدث في مواقف هذه الأطراف، وإن مقولة الدكتور غازي صلاح الدين تؤشر إلي ما اتجهنا اليه في أن الآلية المفاوضة لن تكون ذات الآلية قبل الانتخابات وأن المنهج المتبع لن يكون نفس المنهج بعد الانتخابات، وها هي الانتخابات رغم كل النقد والاتهامات التي أمطرت بها القوى الحزبية المعارضة للانقاذ وللمؤتمر الوطني، إلا أن نتائجها هي التي تسيطر الآن على مجرى الأحداث على المستوى الداخلي في تشكيل الحكومات الولائية، وحكومة الجنوب والحكومة القومية، وعلى المستوى التشريعي الولائي والقومي وعلى الصعيد الخارجي، فان معظم دول الجوار والدول القوية المعنية بالشأن السوداني امريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والمنظومة الأممية والاقليمية، والقارية تتعامل مع نتائج الانتخابات باعتراف عملي، ولم تتجاوب مع الاحتجاجات كما تجاوبت مع دول أخرى مثل كينيا وايران. إن حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل لم تقرأ الاحداثيات بصورة علمية، واندفعت نحو مواجهة خاسرة مع الحكومة السودانية، التي تسنمت أوضاع البلاد بقناعتها التامة بالتفويض الشعبي، وشرعية الديمقراطية بدلاً عن شرعية الانقلاب العسكري، وحركة العدل والمساواة لم تستثمر الفرصة الذهبية التي قُدمت لها بعد توقيع الاتفاق الإطاري في الدوحة، ويومها كانت الحكومة السودانية في حاجة ماسة لاختراق آخر للسلام بعد نيفاشا، وتحدث رئيس المؤتمر الوطني بانهم على استعداد لحل مشكلة دارفور، والوصول إلى تسوية قبل الانتخابات وإن الحكومة لن تخذل أهل دارفور. إن الظروف الصعبة التي تمر بها حركة العدل والمساواة وما تتناقله الوكالات عن موقف دول الجوار مصر وتشاد وليبيا وملاحقات الحكومة قبل تشكيلها لرئيس الحركة بوفود عالية المستوى لكل دولة، يصل اليها رئيس الحركة وتقديم طلب للانتربول لملاحقة قيادات الحركة وتسليمهم للمحاكمة، ولزوم المجتمع الدولي الاقليمي الصمت ازاء خطوة الحكومة السودانية، لهو دليل على أن الحركة لم تعد تملك التأييد والمساندة الذي كانت تجد قبل العملية الانتخابية التي هي خطوة متقدمة في استحقاقات اتفاق السلام الشامل، وأن الحكومة التي أفرزتها العملية الانتخابية يقع عليها واجب تنفيذ الاستفتاء لوحدة أو انفصال الجنوب عن الشمال، والقوى العالمية تهتم بقضية الاستفتاء وفق أجندات متضادة، فدول الجوار العربي والافريقي تتبنى رؤية الوحدة الطوعية وعدم انشطار السودان إلى دولتين، بينما معظم الدول الاوربية وأمريكا ترغب في رؤية دولة جنوبية افريقية غير مسلمة، تكون بمثابة حزام جنوب الصحراء للحيلولة دون المد العروبي في عمق افريقيا والجانبين، دول الجوار والدول الغربية، ترى أن حزب المؤتمر الوطني القابض على الحكم منذ عشرين عاماً وصاحب التوقيع في اتفاقية نيفاشا هو الأجدر والاقوى لتحقيق تلطعاتها في الوحدة أو الانفصال. إن حركة العدل والمساواة بعمليتها في الهجوم على مدينة أم درمان في مايو 2008م كانت بداية لتفجر الأزمات في بنيتها فقد أعقب العملية عدد من عوامل الضعف تتمثل في الآتي: أولاً: الانشقاقات التي ضربت الحركة إلي جانب إنها فقدت عدداً كبيراً من القيادات ذات الوزن السياسي والعسكري في عملية أم درمان سواء بالقتل أو بالأسر أو الذين رفضوا العملية العسكرية وخرجوا على الحركة. ثانياً: تقديرات حركة العدل والمساواة لعلاقتها بقضية دارفور وسعيها لاحتكار المفاوضات واقصاء الحركات الأخرى، وعدم الاعتراف بوجودها، والدعوة إلى عدم مفاوضتها ضربت اسفيناً بين الحركة والحركات المسلحة الأخرى وصل إلى حد العداء. ثالثاً: انتفاضة المجتمع المدني الدارفوري في الداخل والقوى المدنية في الخارج وعدم رضائها بتولي الحركات المسلحة لمصير الاقليم، قامت بلعب دور حثيث وأكبر من حملة السلاح، لإيجاد الاستقرار والأمن وتحقيق المطالب المشروعة عبر المفاوضات. رابعاً: إن اعتماد حركة العدل والمساواة على علاقاتها الثابتة بدول الجوار دون الالتفات للتطورات التي حدثت في العلاقات والمصالح المشتركة بين هذه الدول والحكومة السودانية، خلقت العزلة الحالية لحركة العدل في دول الجوار. خامساً: حركة العدل والمساواة لم تتنبأ للتحولات التي تجري في العلاقات الدولية بعد وصول الرئيس أوباما، والتطورات التي حدثت في الساحة العراقية، الفلسطينية، والحراك السياسي لدول حوض النيل، والوضع الجغرافي والسياسي للسودان، وأهمية الاستقرار في هذه الدولة لترتيب العلاقات الدولية بين كافة دول العالم. أخيراً فإن الجميع يطلبون من الحركة الجلوس للمفاوضات للوصول إلي سلام عادل يحقق تطلعات أهل دارفور، ويحقق أجندات الدول المختلفة، فهل تستطيع حركة العدل المساواة أن تتجه نحو مفاوضات جادة بالدوحة، وتقطع الطريق للبديل المعد والمتمثل في حركة العدالة والتحرير، هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.