ü انضمّ المهندس، مكاوي محمد عوض، لقائمة الشرف الطويلة، لمن شغلوا منصب المدير العام للسكة حديد، والتي كان آخر مدير عامّ لها من الخواجات، مستر هينارد، أو هوارد، والذي جيء به من بريطانيا مباشرة لإدارة أهمّ مرافق الدولة، السكة حديد، والذي كان يقاربه ولا يوازيه منصب مدير مشروع الجزيرة، بورد وعاصمته بركات، مثلما كانت عطبرة عاصمة السكة الحديد، أو عاصمة الحديد والنار.. ثمًّ جاء المهندس محمد الفضل، كأوّل مدير عام للسكة حديد في عهد الاستقلال، السودنة، والتي أطلق اسمها على أهمّ أحياء مدينة عطبرة الراقية، والتي تفرّقت الآن أيدي سبأ، على وزارت ومؤسسات وجامعات حكوميّة، وسُلبت من السكة الحديد واستعادتها من التحدّيات، التي ستجابه المدير العام الجديد إذا مارفعت عنه أيادي المتنفذين من الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون عند قيادة الدولة!! ü أعقبت فترة السودنة دورة تسلسل قياديّ، تأتي بمن يمرّ بها مديراً عاماً، فإذا ما شغل الإداري منصب مدير الميناء، وكانت تتبع للسكة الحديد، ومعها مصلحة المرطبات، والفندق الكبير، والنقل النهري، إذن مدير الميناء ينتقل لمنصب مأمور عموم الإدارة.. ثمّ نائباً للمدير العام، ثم مديراً عاماً للسكة الحديد، ومن أشهر من شغل هذا المنصب، السيد عبدالرحمن نديم، الذي دخل القصر الجمهوريّ بعد ذلك، والسيد أبوبكر علي رضا، والسيد إسماعيل حسين، ومنهم المهندس يحيى شمس الدين، رحمهم الله أجمعين، وفي عهد الإنقاذ تعاقب على السكة حديد، د.الفاتح محمد علي، الوزير بعد ذلك، والمهندس حسن خليفة، والمهندس عمر محمد محمد نور.. والمهندس حمزة محمد عثمان الفاضلابي، أشهر مدير لهيئة الموانئ البحرية..فخلفه مكاوي. ü والسكة حديد تنقسم إلى أهم ثلاث إدارات.. وهي الإدارة.. الهندسة المدنية.. الهندسة الميكانيكية، أو: الإدارة، والهندسة، والورش.. ويتعصب منسوبو الإدارة بأنهم رأس الهرم، ويجب أن يكون المدير العام منهم، يحتكم للاّئحة العامة.. وكتاب قانون المحطّات، والمذكرة التفسيريّة، وكتاب التعريفة، وأن الإدارة الهندسية مدنية، وميكانيكية، تأتي في الترتيب التالي للمدير العام، تقدم له المشورة الفنية، والمساعدة الهندسية، وهم بذلك يعتبرون تدني مكانة السكة حديد جاء كنتيجة لإضعاف دور الإدارة القيادية، فالسكة حديد في رأيهم إدارة لا هندسة، لكن صفة المهندس غلبت على أكثر من شغل وظيفة مدير عام، المهندس محمد عبدالرحمن وصفي، في مرحلتين، والمهندس محمد أحمد الطيب، في مرحلتين، والمهندس هاشم محمد أحمد، التجمع الوطني، ومن غير المهندسين، محمد الحسن عثمان عبيدالله، والسيد عبدالمنعم عباس.. وتغير الهيكل العام، عندما بعثر النميري مركزية السكة حديد، فأحالها إلى خمسة أقاليم هي الشمالي، والشرقي، والأوسط، والغربي، والجنوبي، وجعل لها أربع إدارات رئيسية، هي الحركة والنقل.. والهندسة قاطرات.. والهندسة خطوط وإنشاءات.. والهندسة إشارات واتصالات.. والتسويق والاستثمار، وعدة إدارات مساعدة، كشؤون العاملين، والمراجعة، والإدارة القانونية، والشرطة، وغيرها. ü وللسكة حديد نقابة، لسانها يحشّ الحلفا، ويطهّر الغ.. ساهمت في النضال الوطني بدمائها، ومواقفها البطوليّة النادرة، وقد اشتهر من النقابيين، قاسم أمين، وهاشم السعيد، ومحمد الحسن عبدالله، وعباس الخضر الحسين، البرلماني ذائع الصيت، والإمام والخطيب المفوّه، وكان شهداء الجمعية التشريعية إبان الفترة الاستعمارية، أوّل من خضبوا بدمائهم تراب سوداننا، فأضاءوا الطريق لدعاة التحرر من الاستعمار ونيل الاستقلال. ü وفطنت الإنقاذ لأهمية السكة حديد، فعقدت لها مؤتمراً جامعاً، في عهد الوزير، صلاح كرار، وخرج بأصدق شعار، وهو: لا بديل للسكة الحديد إلا السكة الحديد، وبعيداً عن مزايدات السياسيين، فإن هذا هو الشعار الحقيقي.. أما حكاية تحويله لأمر واقع، فذلك مما يتطلب الهمّة والمهنيّة، والتمويل الضخم.. الأكبر من تمويل سد مروي، أو النهضة الزراعية.. أو بناء مسكن ملائم لكل مواطن.. أو شبكة الطرق البريّة، على أهميّة كل هذه المشروعات، وحيويّتها، إلّا أنّ السكة حديد، أكثر أثراً، وأكبر عائداً، من كل ذلك، إذ لن نهزم الفقر والسوق الأسود، ونرسي قواعد التنمية، ونعيد إعمار ما دمّرته الحرب.. ونمتّن أواصر الوطن.. ونحقّق الوحدة الوطنيّة بغير سكة حديد قوية، ونشطة، وقادرة على ربط أطراف الوطن بأزهد التكاليف.. وهذه فرصة تاريخية ظفر بها المهندس مكاوي محمد عوض، ليظهر بها قدراته التنظيمية، والإدارية، والقيادية، والمهنية، في إعادة الحياة لشرايين وأوردة السكة الحديد، التي تعتبر كنزاً من كنوزالتنمية والاستثمار، اغتنى بها عدة أفراد، بمجهود بسيط.. والعالم كله يتّجه نحو السكة الحديد، في نقل الأفراد والبضائع، وحتى المواصلات بين وداخل المدن في أمريكا، وأروبا، والصين، والسعودية، ومصر.. ثمًّ إنّ الخط القاري بورتسودان -داكار، وهو مشروع منظمة المؤتمر الإسلامي، يعدّ فتحاً مبيناً للقارة السمراء بصفة عامة ولبلادنا بصفة خاصة. ü والسكة حديد ألهمت الشعراء والفنانين وربطت أواصر الأسر والقبائل.. من بف نفسك يالقطار.. والقطار المرًّ.. وقطار الشوق.. وقطار الهمّ. ü ركب أحد المشايخ القطار، بالدرجة الأولى، وكان يحمل كمية من الزوادة، وينادي الفرًّاش كل شوية، ويقول ليهو: سخِّن لي الأكل ده، ولم ينفِّع السنطور بأي شيء.. السنطور تحريف لكلمة مطعم بالإنجليزي، رستورانت، ووقف القطر في إحدى المحطات، فنادى مولانا الفرًّاش الزهجان، وسأله: القبلة على وين؟ فرًّد عليه الفرًّاش بمنتهى الاستياء: (مش عارف.. والقبلة دي لو تبع المرطّبات روح اشتكيني) وهذا هو المفروض