(البن ..البن تنتنو يلا شباب أرقصو) أغنية شعبية تراثية تكشف بوضوح الأهمية القصوى ل (فندك القهوة) في رحلة الجبنة التي تنتهي عند ساحل الكيف. ويجد السائل الأسود الذي يعبأ غالبا في (الفناجين) مكانة كبيرة عند السودانيين لاسيما أهالي الشرق لذا ارتبطت صناعة بطقوس تختلف من منطقة إلى أخرى. وتبدأ رحلة المزاج عادة من نقطة (تنظيف البن) بأنواعه المختلفة؛ الحبشي, الكيني بالاضافة إلى البرازيلي الذي يتواجد بخجل. بعد النظافة تأتي مرحلة (القلي) وهي مرحلة مهمة للغاية عند الكييفين حيث تثير رائحة البن حفيظة أصحاب المزاج فيتحركون نحو (لمة الجبنة) التي لها مكانة وطقوس في عالم المرأة. وعندما تتوقف الرائحة الذكية من الإرسال تبدأ مرحلة سحن البن والذي يعتمد على وسيلتين لتحول الحبوب إلى بدرة (طحين) أسود اللون, وفي هذه المرحلة تتفنن النساء في السابق في (دق البن بالفندك) على نوعين من (الفنادك) فندق خشب ويتم صناعته من أنواع محددة من الاشجار. أما النوع الثاني «فندك» معدني ويفضل دائما النحاس (المايسترو) ذو اللون الأصفر لأنه يصدر أصواتا رنانة تعرف عند الأهالي ب (التنتنة) حيث تصاحب هذه (التنتنة) أغنيات متعددة وجدت حظها وسط المجتمع مثل (البن البن تنتنو .. فنجان جبنة بي شمالو يسوى الدنيا بي حالو) بالاضافة إلى أغنيات البنات والتراث الاخرى, كما يقوم المتواجدون في (قعدات الجبنة) التي لازالت موجودة في كثير من المناطق والأحياء الشعبية بدور الكورس أو ما يعرف ب (الشيالة) عند فناني الحقيبة حيث يرددون الاغاني مع التصفيق , وهذا الامر يخلق أجواء بديعة تتوافق مع الكيف والمزاج ..وعلى الرغم من اختلاف تفاصيل صناعة الجبنة إلا أنها تتشابه في كل أنحاء السودان حيث يكون الاختلاف طفيف جداً في جلساتها أو شرابها أو وضع أدوات الجبنة نفسها على الطريقة السودانية أو الحبشية أو الخليجية، وغيرها من المسميات، ولكن في الواقع طريقة صناعتها واحدة تبدأ بالغسيل وتنتهي داخل إناء الجبنة أو الشرقرق (الشغال) مروراً بالقلاية والتغميس في الزيت أو اليمن ثم نفض القشرة قبل السحن وأخيراً غليانه في الماء ..ول (الفُندك) الذي لا يتعدى طوله ثلاثين سنتمتر (يد) منفصلة عنه ولكنها تكون من نفس المواد , وقد يكون «الفندك» الذي يضبط الايقاع مزركش اللون ويتم تجميله بالعاج أو الودع أو حجل حديدي يصدر صوتا موسيقيا رنانا يتناغم من (التنتنة) التي تعد مهمة للغابة بالنسبة للجلسة, وفي عدم وجودها تعتبر رسالة من المضيفة أو (الشيخة) مغلفة بالإهمال إلى أفراد الجلسة قد تعكر الصفاء الذي ربما يصل إلى القطيعة أو البتر ..ومع أهمية (الفندك) ودوره في رحلة الجبنة إلا أنه بدأ ينحسر من الجلسات بفضل تدخل الوسائل الحديثة والسحانات التي أصبحت تقوم بدور الفندك، ولكن من دون (تنتتة) أو صوت موسيقي كما في السابق...