تعد القهوة، وطعم البن، من أبرز المشروبات الدافئة التي أحدثت تأثيراً كبيراً في مزاج المجتمع السوداني، ليس لأنها ذات مفعول قوي فحسب، وإنما لما لها من طقوس مصاحبة، وأجواء أقلَّ ما توصف به أنها حميمية. وهناك في البيوت السودانية، تحتفظ الأسر السودانية بأدوات صنع القهوة، في إناء مخصص، يطلق عليه في الأرياف (القيراوانة) وهي عبارة عن (جركانة) زيت تقطع من الأعلى لتكون أداة آمنة لحفظ تفاصيل صنع القهوة. فعند الظهيرة من كل يوم، تنادي الحاجة مريم ابنتها؛ لتأتيها (بعدة القهوة) المعلقة على الراكوبة، وهذه الأدوات عبارة عن (قلاية) وتسمى (السواحية)، و(الجبنة) وهي عبارة عن إناء حديدي تصب فيه القهوة، ولكن في السودان يسمى الإناء والمشروب باسم واحد، وأيضاً توجد (الوقاية) وهي مقعد توضع عليه الجبنة، بجانب الشرقرق، و(الهبّابة)، و(المنقد). وتبقى القهوة بطعمها المميز وأجوائها الخاصة، ليست مشروباً للكيف و(ترويق المزاج) فقط، بل هي منتدى أسري واجتماعي تُنثر فيه الأحاديث والحكم، وتتبلور فيه الآراء حول الكثير من القضايا الاجتماعية العامة والخاصة، وربما حتى السياسية. وتبقى في السودان كسلا، هي من أكثر المدن التي اشتهرت بقهوتها التي يحكى عنها، وعن طقوسها الكثيرة، حتى أضحت تمثل فيها صناعة القهوة أحد ملامح المدينة، فبجانب (السواقي)، و(توتيل)، و(القاش)؛ تذكر قهوة كسلا، ونكهتها، والحديث عنها يكون بطعم البن، والمذاق المدهش. ما بين هذا وذاك، تبقي لمناطق السودان طرق إعداد خاصة، متنوعة، ومختلفة أحياناً، من مكان إلى آخر بحسب ثقافة أهل المنطقة، ومع الانفتاح الذي تشهده الساحة، والتداخل الاجتماعي والثقافي؛ سيطرت (الجبنة الحبشية) بتفاصيلها الأنيقة، على مزاج الأغلبية، لا سيما بعد الهجرة الكبيرة (للحبشيات) نحو السودان، فنقلن معهن طقوس (الجبنة) التي تفننَّ في إعدادها، كيف لا؛ والحبشة هي من أشهر مناطق زراعة البن! فرشفة قهوة ترتِّب المزاج، وتبدد إرهاق يوم مليء بالضغط، وهنا في السودان، وفي شهر رمضان، خصوصاً الغالبية العظمى من الصائمين؛ يفضلون تناولها عقب الإفطار مباشرة، وذلك لاعتقادهم أنها تروي الظمأ، وتزيل الفتور. كمال ادريس التيار قهوة القضارف.. (كيف) يسبق الضيافة كل منطقة في السودان تتميز وتختلف في طبيعتها عن الأخرى في العادات والتقاليد الموروثة، ففي شرق السودان مثلاً وتحديداً شرق القضارف عند ما تحل ضيفاً على شخص أول ما يكرمك به هو تناول فنجان من القهوة وشرطاً ان تتوسط تلك الجلسة المنفردة وتستنشق رائحة (البن) وتستمتع ب (التنتنة) وهي ايقاع معين تضربه صانعة (القهوة) على (الفندك) الذي يسحن عليه (البن).. فإن لم تمر بهذه المراحل يعتقد المضيف إنه لم يقم بواجب الضيافة تجاهك.. والزائر أيضاً إذا لم يفعل له ذلك فإنك لم تكرمه ولا تعزه وذلك حسب الطقوس الموجودة هناك. القهوة في تلك المنطقة لا تختلف في طقوسها عن المناطق الأخرى في السودان، كما قالت الحاجة (علوية إبراهيم) واضافت أنها تمر بمراحل ثلاث الأولى يطلق عليها (البكرية) وهي تكون باضافة كمية كبيرة من (البن والجنزبيل والقرفة والهبهان) بحيث تكون (تقيلة) وبهذه الطريقة يفضلها عادة كبار السن من النساء والرجال.. أما المرحلة الثانية وهي (البركة) وهي خفيفة بقليل من (البكرية) وفي بعض المناطق يطلق عليها (التني) ويحبذها الشباب خصوصاً (الجنس اللطيف)، أما المرحلة الأخيرة وهي (الثالث) أو (التلت) وهو مهم عند الكثيرين ويعتقد البعض ان من يتعود عليه وجاء يوماً لم تتح له فرصة أن يتناول (القهوة) في مرحلتها الأخيرة يكون غير مركز طوال اليوم ويكون متوتراً و(يتنرفز) لأقل شيء وهناك مقولة مشهورة يقولونها هناك (لو ما شربت التالت بتغالط) وتقول (حاجة علوية) إن القهوة عندنا أهم من المأكل والمشرب ولا بد ان تكون أدواتها متوافرة في البيت بصورة مستمرة.. وحتى الأطفال يتوسطون الكبار ويشاركونهم احتساء فنجان القهوة فالأطفال يشربون (التلت) لأنه خفيف ولا يؤثر عليهم.. وقالت: إن الرعاة يحرصون ان يكون من ضمن زادهم أدوات (القهوة) فيستمتعون بشربها في (الخلا) إذ تتميز بنكهة خاصة غير التي في (البيت).. واضافت حتى طقوس الزواج وخصوصاً (حنة) العروسين بعد تناول وجبة العشاء تشرع النساء في صنع القهوة ويوزعنها على (المعازيم) وهي أساسية في (الحنة).. وقالت (القهوة) من الطقوس التي لا يمكننا التخلي عنها ونحن تعودنا عليها من زمن (حبوباتنا). الخرطوم: الحاج السيد