بات التسوق أخيراً مقصوراً على فئة محددة من المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار غير المبرر.. وامتنع ذوو الدخول المحدودة قسراً عن شراء سلع ضرورية للمعيشة.. وباتت الأسواق تشكو ركوداً من قلة حركة الزبائن الذين تعودوا الحصول على احتياجاتهم عقب صرف المرتبات.. وفيما كان البعض خاصة المعرضين للنظام يحملون الحكومة مسؤولية الارتفاع ذهب فريق آخر لاتهام التجار بالجشع واستغلال الأوضاع الاقتصادية لزيادة الأسعار بصورة غير مبررة؛ حيث فاقت الزيادة الأسعار نسبة ال 100% في كثير من السلع. غير أن رئيس شعبة تجار سوق أمدرمان أحمد النوّ برّأ التجار من مسؤولية ارتفاع أسعار السلع بالاسواق. وحمّل الحكومة المسؤولية كاملة لجهة عدم مقدرتها في توفير العملة الأجنبية لإستيراد السلع الضرورية. وقال في حديثه (الأحداث) أمس إن التجار بريئون من ارتفاع أسعار السلع، معتبراً أن الحكومة فشلت في توفير الدولار للتجار ما عدّه يجعل التاجر يتحصل على الدولار من السوق الموازي ما يجعل تكلفة استيراد السلع عالية تضطره لرفع سعرالسلعة لمقابلة التكلفة. وأقرّ النو بإحجام معظم المواطنين عن الشراء، كما أكد أن حالة من الركود سادت الأسواق بعد أن فاق ارتفاع الأسعار قدرة المواطن على شراء حاجته من السلع. وكشف عن إرهاصات تهدد بتجميد التجار للإستيراد وتوقفهم. وأكد النوّ أن التجار باتوا (محرَجين) أمام المواطن بسبب ارتفاع الأسعار. وأشار إلى أن المواطنين يعتبرون الأسباب التي تساق للزيادة غير مبررة. وطالب النوّ الحكومة ممثلة في الجهات المختصة بمناقشة الأمر بجدية، مقترحاً وضع استراتيجية محكمة لتوفير الدولار لإستيراد السلع الضرورية. لافتاً لأهمية أن تنتبه الدولة لأهمية توفير السلع الضرورية للمواطن من سكر وشاي ولبن ودقيق وزيت وأدوية، على أن تكون هنالك سياسة محددة تجاه هذه السلع وتمنح الأولوية في توفير الدولار فيما تترك مسؤولية توفير الدولار للسلع الكمالية لاجتهادات التجار. وجدد النو انتقاده لفكرة تعبئة السكر في عبوات صغيرة من قبل شركات التعبئة؛ وعدّها السبب الرئيس في ارتفاع سعر السكر لجهة اعتباره أن التعبئة تكلفة إضافية يتحملها المواطن. وأوضح أن الزيادة على أسعار السلع تفاوتت بين (50% إلى 25%). ونوّه النوّ إلى أن ارتفاع أسعار الدولار جعلته يكون هو نفسه سلعة ومخزن للعملة كالعقارات والسيارات. من جانبه أرجع الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد بجامعة السودان دكتور عبدالعظيم المهل السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار هو ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي من ثلاثة جنيهات إلى (6) جنيهات و(300) قرش؛ والذي ارتفعت معه الأسعار. بيد أنه أشار إلى عدم انخفاض الأسعار بعد أن عاودت أسعار الدولار الانخفاض تدريجياً، وظل السوق مرتفعاً رغم أن المؤشر في اتجاه الانخفاض. وقال المهل في حديثه ل (الأحداث) أمس إذا كان السوق يعمل وفق نظرية العرض والطلب ومع ذلك يفترض أن ترجع الأسعار بمستوى انخفاض سعر الدولار ل (5) جنيهات و(300) قرش. لكنه أشار إلى أن الأسعار إذا ارتفعت في السودان تظل مرتفعة؛ وأرجع ذلك لضعف الرقابة الحكومية والشعبية. وانتقد عدم وجود آليات ردع قوية للمتفلتين والمتلاعبين في الأسعار، فضلاً عن عدم وجود منظمات مجتمع مدني قوية يكون لها دور في كشف الارتفاع غير المبرر ولحماية المنتج المحلي. معتبراً أن الحكومة لديها وسائل كثيرة حيث أشار إلى انها يمكن أن تتدخل كبائع ومشتري عن طريق منظمات المجتمع المدني والضبط المناسب. وأضاف أن الدولة إذا شعرت أن هنالك تاجر غالى في سعر سلعة معينة فيمكن أن تتدخل عن طريق نشر المعلومات للمستهلك تحدد تكلفة استيراد السلعة والرسوم المفروضة عليها وتكلفة نقلها مع افتراض نسبة الربح وتوجيه المواطنين وترشيدهم على مواجهة التاجر بالمقاطعة. غير أن المهل إعتبر أن هنالك مراكز قوة لا يريدون كشف المعلومات. وافترض أن هنالك تحالف مبطن بين متخذي القرار والتجار؛ من جانب التجار والسياسيين وربما يكونون مسيطرين على الأمر برمته ووصفهم بأنهم يكونان بذلك (الخصم والحكم )، وأشار إلى انه إن أرادت الحكومة كسر هذه الشبكة فيمكنها فتح الباب لولوج تجار أجانب يمنحون في البداية امتيازات وذلك من أجل خدمة المواطن .ويؤكد المهل أن سياسة السوق الحر تعني عمل السوق وفق سياسة العرض والطلب ولا تعني الفوضى، مبيناً أن السوق الحر فيه درجة من الانضباط وآلية لضبط السوق. وقال إن من حق الدولة أن تتدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دون أن يمس ذلك التحرير الاقتصادي. وأكد أن ذلك لا يتنافى وسياسة السوق الحر، بل إنه لفت إلى أن الولاياتالمتحدة كأكبر دولة رأسمالية تدخلت كثيراً لضبط الأسواق ولضمان فاعلية السوق. غير أن الأمين العام لجمعية حماية المستهلك دكتور ياسر ميرغني يرى أن المستهلك يعاني من ارتفاع أسعار السلع الحكومية (السكر، الغاز، المحروقات) والتي يشير في حديثه مع (الأحداث) أنها ليست فيها منافسة. ووصف ما يدور في سلعة السكر وصمة بأنه عار في جبين شركات السكر. ونوّه إلى أنه آن الأوان لإلغاء فكرة تعبئة السكر بشركات التعبئة ورأى أن عمل (101) مصنع تعبئة في تعبئة السكر في أقل من عام يبرهن أنها تجارة مربحة. وشدد على ضرورة أن تؤول التعبئة إلى شركات السكر. وقال على الدولة فرض هيبتها في سلعة السكر وزاد «ننبه انه قبل (90) يوماً من رمضان أن لم ترفع شركات التعبئة يدها عن السكر فلن يصوم المواطن السوداني مطمئناً). ورأى ميرغني أن ازدواجية التجارة والمعايير هي التي جعلت هذه الفوضى في الأسواق، مشيراً إلى أن التاجر يعلم أنه لا يراقب من أي جهة كما انه يعلم أن هنالك قانون تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار الذي ظل معطلاً بعد اعتماده من رئيس الجمهورية منذ العام 2008 ولم يتم تفعيله، وأكد أن التجار يعلمون ذلك ويستفيدون منه. وكان وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود قد قال في حوار مع المركز السوداني للخدمات الصحفية دفاعاً عن موقف حكومته من ارتفاع الأسعار بعد شكوى المواطنين من استمرار زيادة الأسعار تبعاً للزيادة في الدولار قال «زيادة الدولار حالة نفسية» والسعر السائد للدولار في السودان الموازي ليس هو السعر الذي نستورد به القمح والمواد البترولية والسكر وزيوت الطعام والأدوية وكل المدخلات. كل السلع الاستراتيجية المرتبطة بالمواطن نستوردها بسعر الدولار المحدد من البنك المركزي، وقادرون في الدولة على استيراد كل السلع الضرورية، ولدينا من الدولارات ما يكفي لاستيرادها وذلك بدليل أن الرغيف لم يزد».