قبل شهرين تقريباً وقبل أن يختلط سكر كنانة بحليب أبقارها ويتم فرز الشركات التابعة والمستقلة وعلاقتها بفضيحة مصنع سكر النيل الأبيض، قامت الصحف المحلية بتغطية فاقت في كثافتها التغطية لأحداث هجليج فيما بعد. تلك التغطية الإعلامية كانت خاصة بتتويج ثلاث بقرات جميلات في مسابقة لملكة جمال البقر، حيث فازت باللقب بقرة تُدعى «الفلوجة» بينما تم توشيح اثنتين بلقب الوصيفتين. والخبر ذو العلاقة بشركات الانتاج الزراعي لم ينس دعم وزارة الثروة الحيوانية وشركة سودا اكسبو التي توجت الثور السوداني (عابر القارات) بوصفه الأكثرة قدرة على الإخصاب والمساهم الأول في عملية الإدرار التي اصطفت لها وسائل الإعلام تنقل وتتأمل، كيف لا وبطريركية العقول تطغى في عالم الإنسان والحيوان معاً. جميل هذا التنافس بين الشركات الزراعية من أجل زيادة الانتاج والعمل على ترقية وتجويد نوعيته ولكن الصخب الذي لازم المهرجان تجاوز حدود المعقول . ما معنى التغني بجمال بقرة والذهاب بعيداً في وصف حركاتها وسكناتها ومشيتها التي تحاكي الوجي الوحل . فلو اقتصر الوصف على كمية اللبن المنتج ، لكان معقولاً جداً لأن هذا ما يهم المواطن ، ولو تم تضمين بعض المعلومات المهمة والخاصة بنوعية السلالات لقلنا أن هذا عرض تثقيفي مقبول، أما حكاية لونها وتقاطع خطوطه البيضاء مع السوداء فالمستفيد الوحيد هو جزارها لو تقرر ذبحها لأنه سيضمن جلداً غاية في الروعة. صحيفة «الصحافة» مثلاً استعارت وصف الأعشى الشهير لإمرأة ، لتنزله على البقرة الفلوجة :» غرّاء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل»، فأوغلت الصحيفة إيغالاً وبالغت مبالغة صريع الغواني الذي قال :»إذا ما علت منّا ذؤابة شاربٍ ... تمشت به مشي المقيد في الوحل»، فما كان من معلّق عند سماعه بيت صريع الغواني هذا إلا أن قال:»قاتله الله،ما كفاه أن جعله مقيّداً حتى جعله في وحل» . وأنا أقول قاتل الله الإعلام، أما كفاهم تشبيه البقر بالنساء الجميلات حتى سموا أحد الثيران باسم البطل في المسلسل التركي «مهند» وتجنوا على البقرات بأن تعمدوا إبعاد الفحل «مهند» عن أنظار البقرات حتى لا يفتنّ فيه، فهل من إيغال أكبر من هذا. ولو اقتصر الحفل الذي طاف في يومه الختامي شوارع الخرطوم المصحوب بموسيقى الشرطة على مديري الشركات والمستثمرين في مجال الثروة الحيوانية دون تطواف لكان مقبولاً أيضاً خاصة في ظروف البلد الاقتصادية والسياسية الضاغطة. لم يفت على ظرفاء المعلقين أن أخذوا على النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه رعايته لحفل البقر هذا، ومن الممكن أن يكون قد تم حجب المعلومة التي تفيد بأنه رئيس المجلس الأعلى للنهضة الزراعية عمداً. يمكن أن نتفهم تفنن أهل الخليج في مهرجانات الهجن العربية الأصيلة، أو إقامة مزاين الإبل ومسابقات جمال الماعز وغيرها. والهدف الرئيس من هذه المسابقات هو عرض هذه الأنعام سواء أكانت إبل أو خيول أو ماعز للبيع للجمهور ويكون التنافس على شرائها من خلال عرض مزاياها التي أهلتها للفوز في المسابقات. أو تقام مثل هذه المسابقات من أجل الترفيه فقط ، حيث يُعلن عن الاحتفال فتجمع كل قبيلة قطيعها وفي مقدمتها أحسنها وأزينها .تُقام الاحتفالات ويتخللها الشعر الشعبي والإنشاد ثم الشراء . أما لماذا هذه المزاين مستحسنة في الخليج ومستهجنة في السودان فذلك لأنها بالنسبة لشعب فقير لا يجد ما يسدّ جوعه، وتتمنّع إزاءه هذه الأبقار والإبل والماعز بلحومها وشحومها وتُعرض عنه وعن وظائفها الأساسية ليتم دعوته للنظر في جمالها، تعتبر وفقاً لذلك مهرجانات ومزاين استفزازية . فهي تتطلب وصول من يقيمونها إلى مرحلة الرفاه والتخمة، فهل وصلت الشركات وأصحابها الذين أقاموا الاحتفالية إلى هذه المرحلة؟ المواطن لا يعلم الإجابة عن هذا السؤال فهل من مجيب؟