الإسلاميون يختارون حسن الترابي أميناً عاماً للحركة, الإسلاميون يشاركون في حكومة النميري (الاتحاد الاشتراكي), الإسلاميون يشاركون في حكومة المهدي (الأحزاب), الإسلاميون يستولون على السلطة. هذه الأحداث التي حدثت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من الحركة الإسلامية والتي كانت تضم إسلاميي السودان وقتها، تحكي في وضوح جرأتها وطموحها إلى النمو السريع, والمشاركة في الحكم, ثم الحكم. وبعد تلك التحالفات والمشاركات بأسماء عدة (الجبهة الإسلامية, جبهة الميثاق) رأت قيادة الحركة وأيقنت أنها لن تصل إلى السلطة آنذاك عبر الانتخابات وربما كلفها ذلك انتظاراً لسنوات كثيرة، فكان الانقلاب والاستيلاء على السلطة، لكن ذاك الجسم الجامع للإسلاميين لم يستمر موحداً بعد الحكم, وشابته انقسامات فأصبح عندنا (الإخوان المسلمون, الحركة الإسلامية, المؤتمر الوطني , المؤتمر الشعبي) لكل برنامجه ومراراته ومؤاخذاته على الآخر. واليوم وبعد صعود التيار الإسلامي عربياً يجد الإسلاميون السودانيون أنفسهم أمام تحدٍ كبير يستوجب التوحد – أو التقارب – خصوصاً مع تجمع أجسام وتحالفات قوية وذات ثقل كبير، فتوحد الأجسام الإسلامية وجهودها كفيل بضمان بقائهم في مقاعد السلطة بالسودان، هل مازالت لديهم الجرأة التي جعلت الإسلاميين يتجاوزون الخطوط الحمراء في فترة الستينيات إلى مطلع الثمانينيات, فيتجاوزون بها مراراتهم واختلافاتهم؟ وهل سنشهد إتحاداً قريباً فنري التنسيق والتجمع؟ أم أن ضرورة السياسة ستفرض حلولاً أخرى فنشهد تنازلاً جزئياً عن المشروع الإسلامي لصالح شركاء آخرين؟ أم أن أشواق قواعد الإسلاميين تضغط على قياداتها فيحدث المراد. خاصة بعد إطلاق المؤتمر الوطني ولاية الخرطوم في شهر مارس من العام الجاري مبادرة إصلاحية لجمع وحدة الصف الإسلامي الوطني، وإعادة الهيكلة بين المؤتمر الوطني والشعبي من جديد والعودة إلى ما كانا عليه في السابق. وارتكزت المبادرة على الإقرار بالحاكمية لله من أجل بسط العدل والحرية والشوري على أوسع نطاق وإرساء التشريع الإسلامي من خلال الدستور والسعي إلى تطهير المجتمع من الفساد بكل أنواعه ودرء المخاطر التي تواجه الأمة الإسلامية، والدعوة إلى فتح قنوات الحوار الجاد والصادق من أجل الحفاظ على السودان أرضاً وشعباً ومراعاة أدب الخلاف والحرص على الالتقاء على الأهداف والصبر على السير في طريق الحوار، غير أن المبادرة التي طرحت منذ مايو الماضي لم تجد المتابعة من الاطراف المعينة فالوطني بالولاية يرى ان الاطراف التي وجهت إليه المبادرة لم تتقدم نحوهم خطوة، وأنهم في انتظار تدارسها من تلك الجهات بينما ترى الجهات الاخرى والتي وجهت لها ان المبادرة وصلهم حتى الآن مجرد خطابات لا أكثر . ويرى رئيس لجنة المبادرة لجمع الصف الإسلامي والوطني بولاية الخرطوم عباس الخضر في حديث ل (الأحداث) ان المبادرة لم تصدر عن أفراد وإنما مؤسسية خرجت من المؤتمر الوطني ولاية الخرطوم وأجيزت من المكتب القيادي للحزب، وأرسلت خطابات للأحزاب على مستوى الولاية على رأسها حزب المؤتمر الشعبي، منبر السلام العادل، وبعض القوى السياسية الاخرى «لكننا لم نتلقَّ رداً حتى الآن من كل تلك القوى» منوها إلى أن المبادرة تحمل قدراً من التكافؤ، ولامانع من الجلوس مع الذين وصلت اليهم خطابات لدينا ما يمنع، غير أنّ الخضر بدا أكثر تفاولا حين أكد أن المبادرة وجدت قبولاً منقطع النظير من القواعد وتجاوبت معها عدد من الولايات «نهر النيل، الجزيرة، النيل الأبيض والبحر الأحمر» كل ردود الفعل الإيجابية التي ظهرت من القواعد بالولايات تجعل من الممكن السير بعيداً في هذه المبادرة بحسب الخضر، غير أنه عاد وأشار إلى أن الأحداث الأخيرة في «هجليج» وما بعدها شغلت تلك الجهات قليلا، لكن الامر ما زال قائما والعزيمة ما تزال قوية حسب قوله، وتوقع نتائج إيجابية بالرغم من ان المشاورات لا تزال جارية بين مكونات تلك القوى ومن ثم الرد علينا لنمضي في التشاور، بيد ان الخضر ذهب إلى أبعد من ذلك وأكد أنه وفي حال رفضت تلك الجهات الرد أو تجاهلته فإنهم سيذهبون خطوة في اتجاههم، وزاد «لن نترك هذا الأمر» إلى أن يستجيبوا ونتحاور. وكشف أن شعوراً طيباً بدر من الامين العام للمؤتمر الشعبي بولاية الخرطوم آدم الطاهر حمدون وأخضعوا المبادرة للدراسة للخروج برؤى ودراسات والتفاكر حول المبادرة، وهل من الممكن أن تلبي طوحاتهم.. ونحن سنعطيهم الفرصة كاملة لترتيب أحوالهم. غير أن الأمين العام للمؤتمر الشعبي بولاية الخرطوم آدم الطاهر حمدون قال ل (الأحداث) ان ما تم في هذا الجانب هو استلامهم خطابات للعلم فقط، وأردف «نحنا جاتنا خطابات من عباس الخضر واستلمنا الخطاب لكنهم لم يطلبوا منا أمرا محددا»، مشيرا إلى أن مثل هذه المبادرات تحتاج لجلوس وتفاكر بدلا من أن تطرح المبادرة وتصمت، وتابع في حديثة ل (الأحداث) «نحن فهمنا خطابهم انه للعلم فقط وهم لم يقابلوا شخصي حتى نعدهم بالتدارس والرد، وزاد «وتابع حديثه اللاذع «هم ختوا خطاب المبادرة في الاستقبال ومشوا ومافي أي رد على المؤتمر الوطني ولاية الخرطوم» وقطع حمدون بعدم الجلوس لدراسة المبادرة في انتظار خطوة جديدة وجادة من المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم ، قاطعا بأن المبادرات عن طريق الخطابات ليست ذات جدوى وغير مفيدة. أما رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى مضى في ذات الاتجاه الذي ذهب إليه أمين الشعبي بالخرطوم بل وتعداه إلى أبعد من ذلك حين وجهت له (الأحداث) سؤالاً حول المبادرة وموقفهم منها باعتبارهم أحد الاحزاب المستهدفة بها والتي أرسل لها خطاب المبادرة. وأكد مصطفى عدم وصول أي دعوة للانضمام لمبادرة تقارب الإسلاميين التي يتحدثون عنها. وتابع « لم تصلنا أي دعوة». المراقب العام للاخوان المسلمين بالسودان الحبر يوسف نور الدائم قال إنه في تنظيم الإخوان المسلمين لم تصلهم خطابات في هذا الشأن، وكذلك لم تصلهم مبادرة مدروسة عن جمع الصف الإسلامي السوداني . وأكد ل (الأحداث) تأييدهم جمع الصف الإسلامي وتابع «الأصل في الإسلام جمع الصف»، مشيرا إلى انه في حال طرح مبادرة حقيقية في هذا الجانب فإنهم على استعداد لتدارسها والاسهام برأيهم فيها. وكان الحبر يرى في حوار سابق مع صحيفة (الأهرام اليوم) ان هناك جهودا بذلت لجمع الشمل. ويرى انه يمكن أن يحدث التوافق مع كل الذين ابتعدوا ممن كونوا تنظيمات أخرى، فعودة الإخوان قادمة لا محالة وهذا هو المأمول. وذهب إلى ان توحيد أهل القبلة شعار فضفاض ولكن هناك أشياء أساسية لا يختلف فيها المسلمون مثل الحكم بما أنزل المولى عز وجل؛ أي بالكتاب والسنة، فهذه قضية محسومة لم يختلف فيها المسلمون إلا في العصور المتأخرة عندما جاءهم الاستعمار الغربي، ويرى انه من مقتضى الإيمان والإسلام التسليم لله والرسول، وبالتالي فهذا التوجه يجب أن يكون محسوماً بالنسبة أهل القبلة جميعهم وبلا استثناء. غير أن ما تم من تحريك لساكن تقارب الاسلاميين خطوة تحسب للمؤتمر الوطني ولاية الخرطوم بالرغم من تباين الآراء حول من قبل القوى الإسلامية المستهدفة بمبادرة جمع الصف فهناك من يرى أنها ستحرز نتائج تسهم في تقريب الشقة بين إسلاميي السودان، وآخرون يرون انها ستكون مثل المبادرات التي طرحت في هذا الاتجاه واصطدمت بتمترس البعض حول أفكاره وآرائه. وبدا واضحا ذلك من تصريحات قادة المؤتمر الشعبي ومنبر السلام العادل والأخير قال ألا علاقة له بتلك المبادرة بالرغم من أن القائمين على أمرها خصّوه بالذكر.