الحمد لله والصلاة والسلام على خير الأنام وخير الحكام وعلى آله وصحبه على الدوام. قال تعالى: « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل) صدق الله العظيم. هذه الآية العظيمة التي لها من المعاني والدلالات ما يصلح أن يكون مجلدات في القانون والعدل والمساواة، إذا قمنا بعمل ورشة عمل من العلماء وحكماء الأمة للدراسة المتأنية والتحليل بعمق للمدلولات والمعاني، التي لا تحتاج إلى كثير عناء، بدلاً من أن ننصرف لتحميلها وجهة واحدة تخدم ميولنا ورغباتنا. فالعدل هو قوام الدنيا والآخرة وبه يصلح الزرع والضرع والظاهر والباطن، كما أن ضده الظلم الذي يعني أولاً من قبحه العدم، لعدم الإبصار للظلام الدامس، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولذلك كان شعار العدالة والقضاء ذو البعدين الاثنين هو الميزان المنتصب والمتساوي للكفتين، وبالتالي هو حلم الإنسانية جميعها وهو الدليل على تقدم الأمم والحضارات وتميزها التي برزت في كل الحقب التاريخية المتعاقبة عبر الزمان, وما زال سبباً رئيسياً في إقامة الحضارات التي تكون متميزة في جميع ضروب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والزراعية والتعليمية، وكذلك الفنون والرياضة والابداع في الفكر والحرية الخلاقة. ونحن في الإسلام قد أكرمنا الله سبحانه بالدين الشامل الذي تفرد جبريل لحضوره شخصياً على شكل رجل شديد بياض الثياب، ولم يُر عليه أثر السفر ولم يعرفه أحد من الصحابة واسند ركبتيه على ركبتي رسول الله « صل الله عليه وسلم « ليؤكد على أن المحاور الثلاثة هي قوام الدين والتدين وهي الاسلام والايمان والاحسان وعند انصرافه قال رسول»صل الله عليه وسلم» هذا جبريل اتأكم يعلمكم دينكم. ولذلك تسعى البركة لتعزيز المذهب المالكي والعقيدة الاشعرية والتصوف لبسطه بمحاوره الثلاثة، إذ ان الشريعة هي أحدى هذه المحاور الثلاثة، وهي العدل الألهي والعدل المطلق الذي لا شبيه له على الاطلاق إذا تم استصحاب المحورين الآخرين بنفس الأهمية العقيدة والأخلاق، ولكن الفصل بينهما لا يجدي نفعاً ويستحيل التقدم بهذا الأمر للامام, عليه لابد من العمل المكثف والجاد للعلماء العاملين والمفكرين الإسلاميين وأهل الاجتهاد والابداع في هذا الحقل حتى نتمكن من ابراز الحقائق التي تسهم في حلحلة الأمور المعقدة وبالعلم يزيد الابصار. فالعلماء المجتهدون والمفكرون الاسلاميون هم دوماً شعلة الأمة ويكفيهم أن الله يرضي رضاءً كاملاً بما يصنعون لحسن نيتهم فللمخطئ منهم أجر وللمصيب أجران، إلا أن المشكلة أصبحت في «الإتباع» لتلك الفكرة أو المفكر أو الجماعة أو الطائفة أو المذهب بالتعصب المعضل والمهلك الذى جعل الفكرة والاجتهاد مكان قدسية لا يمكن باي حال من الاحوال أن يمس وإلا أتُهم من تجرأ بأفكار تمس تلك الافكار بالويل والثبور والعمالة والخيانة الكبرى؛ وحتى التهديد والتكفير ولا شك أن هذه الفئة أصبحت متسلطة بغية استمرار تسلطها تعمل على تغزية عقدة النقص والعجز هذه لدى الآخرين من سائر زمام المبادره في تقرير ميرها بنفسها والأمثال على ذلك لا تحصى ويكفي أن نشير ما غرس المستعمر مشاعر التفضل في الشعوب التى يستغلها . لدرجة التضليل والزعم أنه أتى لتعليمها والارتقاء بها, فحسبنا الله ونعم الوكيل، فهذا دليل على أن التراجع أصبح متجزراً وأصبحت مشكلة الفكر والتجديد الملح الذي كان سمة للاوائل الراشدين وملحاً الآن، فلابد من المعرفة والعلم، ولاسيما فالمعرفة أصبحت فى متناول من يطلبها وهي كالسيل العارم تأخذ من لا يجيد السباحة، فيجب على الذين لا يحسنون السباحة أن يتركوا السباحة للذين يحسنون السباحة والغوص، وذلك على الأقل لكي لا يغرق الذي لا يعرف السباحة، وبالتالي يمكن أن يصلحُ في مجال آخر «فكلٌ مُيسر لما خلق له»، فنحتار كثيراً لتحقيق هذه الأمور المهمة وهي في الدرجة الأولى على الاطلاق, فكل أمر يأتي بعد صلاح الاساس فيصلح البناء لقوة الأساس وذلك بالحوار, والحوار الذي تسمح به السلطة التي بدلاً من أن يكون خصماً عليها وعلى رعيتها, برعيتها للذين لا يصدقونها القول وذلك لرعايتهم وتجليلهم وراحتهم حتى غابوا عن أنفسهم نأهيك عن الهم العام فقد قال الصادقون : (صديقك من يصْدُقك لا من يُصدِّقك) فهلا أنقذنا أنُفسنا بتصويب المسيرة ليكون الإحترام والعدالة هم السائدين لاطلاق مسيرة الإبداع للعلماء العاملين المجتهدين لصالح الأمة حباً وكرامةً وأخلاصاً ووفاءً لامة المصطفى صلى الله عليه وسلم .