في شهر رمضان لا يحتاج أحد أن يطرح ذلك السؤال التقليدي «الليلة يوم كم»، وذلك لأن الجميع يجيد الحساب في هذا الشهر، فإحساس الناس بأيام هذا الشهر يتضاعف، ولم يقف الأمر عند تعداد الأيام، فحتى ساعات اليوم هي الأخرى معدودة، لدرجة يكاد ينعدم فيها ذلك السؤال المطروح بكثافة في غير أيام رمضان، أعني السؤال عن الساعة، كم الساعة الآن، فالكل يتحرك وهو يستشعر التوقيت ويدرك تماماً في أية ساعة هو الآن، وكم تبقى من ساعات لهذا النهار، ويحتدم هذا الاستشعار بالوقت كلما مرت الساعات، تبقت للإفطار ساعتان.. ساعة.. نصف ساعة.. ربع ساعة.. خمس دقائق، ولما يتسوَّر الصائمون مائدة الإفطار يكون الحساب أكثر دقة، كأن يقول لك أحدهم الإفطار اليوم عند السابعة وست عشرة دقيقة، وأحياناً يلجأ بعضهم إلى احتساب الثواني قبيل موعد الإفطار، ولا ينتهي أمر احتساب الوقت مع الإفطار، فيذهب معك هذا الإحساس بالوقت إلى ما بعد الإفطار، فأنت تتحسس وتتحسَّب للوقت المتبقي لصلاة العشاء والتراويح، ولما تدخل في هذه الصلاة، خاصة إن كنت من أصحاب الصلاة بجزء من القرآن، ساعتها ستبدأ حساباً من نوع آخر، أعني حساب الحزب من القرآن مع حساب الركعات، فمثلاً أن تدرك أن الجزء من القرآن سيوزع على عدد الركعات، ساعتها سيتضاعف إحساسك بالركعات، كأن تخاطب نفسك، لقد صلينا ست ركعات وتبقت فقط ركعتان، أو في حالة الذين يصلون عشر ركعات تبقت لك أربع ركعات، ثم يتدرج أمر الحساب إلى ركعتين إلى أن تبلغ سنَّة الشفع والوتر، وأنت خارج من المسجد يخرج معك هذا الإحساس، خاصة أن الجميع في هذا الشهر يعمل بثقافة «تنظيم الأكل»، فكما الإفطار مضبوط بالساعة والدقيقة أيضاً هناك توقيت في الغالب لوجبة العشاء، وتوقيت آخر للنوم، خاصة للذين يحيون «سنة السحور» ولا يضيعون فريضة الفجر، فهؤلاء لا بد أن يكون لهم سقف زمني محدد للنوم لا يتجاوزونه، وهم ذاهبون للنوم في الميقات المحدد لا بد أنهم قد (ظبطوا) منبهاتهم على مواعيد السحور، وأيضاً لكل صائم توقيت يستيقظ فيه وعنده صباحاً، فهناك عاملون في المؤسسات والشركات ودواوين الحكومة فإنهم يستيقظون ويتحركون بمواعيد، وحتى العاطلين أو الذين هم في إجازات مؤقتة أو مفتوحة فإن لهم ساعات قد تطول أو تقصر ينامون فيها، و.. و.. وقصة الإحساس بالوقت في رمضان تنطلق كلها من منصّة الآية الكريمة «أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ»، وإذا تأملت أكثر في هذه الآية تجد أن أيام رمضان بلياليها ونهاراتها وتفاصيلها وتفاصيل تفاصيلها كلها خاضعة «لثقافة التعداد»، وبرغم أن أهل اللغة يقولون إن «الأيام المعدودات» لا تتعدى أصابع اليدين ورمضان شهر كامل، غير أن الأمر يرجع لثقافة «التذليل والتيسير» الربانية، يقلله الله في أعينكم وحساباتكم حتى لا تسترهبونه وتستثقلونه. لكن يصبح هذا الشهر ذا قيمة عظيمة جداً وأن ساعاته لا تعوّض، لهذا يجب أن تُغتنم كل ساعاته ودقائقه وثوانيه المعدودة.. والله أعلم.