أكره التتمات، فلا شيء يصرف نظري عن الخبر، مثل أن تكون له بقية في صفحة كذا ! هذه وجهة نظر خاصة، وليس بالضرورة أن تكون صائبة أو عامة، لكنها جزء من قناعاتي، ولذلك أصدرت توجيهاتي، إبان رئاستي لتحرير صحيفة (المجد) المتوقفة، بعدم ترك أي بقية .. لأي مادة، واختزال المواد في المساحات المتاحة فقط .. دون أي زيادة ! وفي العادة .. لا تلجأ الصحف للبقيات حبا فيها، لكن تزاحم المواد، وخصوصا في الصفحة الأولى، مع الاحتفاء بالمواد الإعلانية، والتي تضخ الحياة في شرايين الصحيفة، ظروف تجعل الصحف مجبرة على اللجوء للبقية. لكن هناك تجارب صحفية أخرى، تتوخى تدليل القارئ الكسول مثلي، فتجعل الخبر موجزا في صفحاتها الرئيسية، ثم تشير إلى أن (التفاصيل) بالداخل ، وهو أسلوب ذكي، واجتهاد أظنه الأقرب لترويض المزاجات، واجتذاب المتململين من القراءة الطويلة، مع ترك فرصة لمحبي التفاصيل، أن يجدوا ضالتهم في صفحات داخلية أخرى. وخوفي من (البقية) .. يجعلني منذ وطئت قدماي بلاط الصحافة، ألتزم بالمساحات المتاحة لي، فلا تضطر سكرتارية التحرير التنفيذية، لإحالة جزء مما أكتب لصفحة البقيات، وهي طريقة عادية يلتزم بها كل كتّاب الأعمدة الصحفية تقريبا، رغم أن أفكار العمود قد تتطلب أحيانا بعض التوسع، لكن الضرورات لها سطوتها، ولا بد من (العرضة) داخل الساحة فقط، إلا إذا أراد الكاتب اجتزاء مقالته، أو التعرض لتذمر السكرتارية الفنية التنفيذية، والتي قد تكون صاحبة القرار، خصوصا في لحظات المخاض الأخيرة قبل الطبع ! أذكر أن كاتبا مقروءا في الصحافة الخليجية، كان شديد التمرد على المساحة المحددة له، فتارة يكتب ضعف ما تتسع له المساحة، وأحيانا يكتب في نصف المساحة المخصصة لعموده، وفوق ذلك هو لا يرضى أبدا بجعل بقية لمقالته، أو مزاحمة مواد أخرى لمساحته ! ولأن هذا الكاتب كان من المتعرضين باستمرار لغضب المصممين الفنيين، والذين يتسببون في غضب أصحاب القرار، فقد كان أسعد الناس قبل أكثر من عقدين، بدخول الكمبيوتر ساحة الإخراج الصحفي، حيث اكتشف ميزة الحاسوب في ضغط المقالات الطويلة، و(مط) المقالات القصيرة، فأصبح يكتب على راحته. لكن سوط الإدارة الفنية لم يتركه يهنأ كثيرا بالبرطعة، فقد لوحظ أن تكبير حروف العمود حينا، وتصغيرها حينا، يسيء للشكل الفني للعمود، ويؤثر بالتالي في الشكل الإخراجي العام للصحيفة، فألزموه بعدد محدد من الكلمات .. ليعود صاحبنا مرغما للالتزام، حيث كان الخيار الآخر .. أن (يستريح) في بيته !! أكره البقية، كما أنني لا أريد أن (أستريح) في بيتي، لذلك، فإنني مطيع وملتزم بالمساحة المتاحة، وكفى الله المؤمنين القتال !