قرأت منذ أيام بصحيفة التيار مقالة طريفة للبروفيسور مأمون حميدة تحت عنوان «عندما يمرض الكبار»، وهي تتحدث عن بعض الشخصيات العالمية المشهورة التي أصيبت بمرض فقدان الذاكرة والانفصال الاجتماعي المعروف ب (الزهايمر)، ومن تلك الشخصيات التي أصيبت بهذا المرض السيدة مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء الأسبق في بريطانيا، فمسز تاتشر التي كانت تبلغ من العمر 82 عاماً كان نصيبها من النوم في اليوم أربع ساعات فقط وكانت تلقب بالمرأة الحديدية وهي التي قادت بلادها إلى الانتصار في حرب جزر الفوكلاند الشهيرة، ووصفت بأنها كانت تملك عقلية مدبرة في السياسة والاقتصاد، فلقد تعرضت لمرض عدم التركيز والنسيان والصعوبة في اختيار الكلمات وإيصال المعلومة للمستمع، وهي التي كانت تهز البرلمان البريطاني وتلهب مشاعر الشعب للوقوف خلفها في حرب الفوكلاند، فتدهورت ذاكرتها لدرجة أنها كانت تسأل ابنتها لماذا تأخر زوجها (دينس) المتوفى منذ أعوام، لماذا تأخر عن الوصول إلى المنزل، وتحتاج ابنتها إلى تذكير والدتها بأن زوجها قد توفي منذ أعوام، وتسأل، هل كنا هنالك عندما توفي؟! وقد ظهرت على المرأة الحديدية ظواهر الضعف والبكاء في غير ما سبب. وذكر الدكتور حميدة في هذا المقال حالة أحد أساتذة كلية الطب جامعة الخرطوم، بريطاني الجنسية، بروفيسور ويدعي مورقان، الذي كان عميداً لكلية الطب، وكان متوقداً حاضر الذهن والبديهة وقد أرسى قواعد علم الباطنية وتخرج على يديه أشهر أساتذة الطب الباطني من السودانيين أمثال عبدالرحمن موسى والضو مختار وصالح يس. فقد انتهى الأمر به إلى مرض الزهايمر عندما عاد إلى بريطانيا، وكيف أن صاحب ذلك العقل الكبير أصبح جسداً بلا عقل، وأشد ما آلم زوجته أنه كان يسألها من هي ولماذا تجلس إلى جانبه؟ والرئيس الأمريكي ريغان هو الآخر قد أعلن بنفسه عام 1994م عندما كان عمره 83 عاماً أنه أصيب بالزهايمر، وذكر للشعب الأمريكي في خطاب مكتوب أنه قد بدأ رحلة النهاية. ولسوء حظنا أو لحسنه لا أدري أن هذا المرض لا ينتشر وسط ساستنا وقادتنا كما ينتشر وسط أولئك الساسة الأوروبيين، وتكون حاجتنا ماسة إليه ليجعل بعض ساستنا يقضون بقية عمرهم بين أحفادهم في منازلهم، ذلك لأن الساسة الأوروبيين على سبيل المثال لا يحكمون شعوبهم من المهد إلى اللحد، فهم على الأقل يؤمنون بحتمية تعاقب الأجيال، كما أنهم يعملون بمبدأ الاستقالة، وفي المقابل نحن الذين نعطّل سنن الحياة في تبادل الأدوار القيادية ولا نعترف بأدب اسمه الاستقالة، فلا شيء هنا غير الموت بإمكانه أن ينهي حياة رجل السياسة، فسياسيونا من أقصى اليمين إلى «أقسى» اليسار هم طوال حياتهم على حالتين، إما أن يكون الواحد منهم حاكماً وهو يحافظ على هذا الحكم بكل ما يملك وبما لا يملك، أو أنه قد فقد الحكم وهو يسعى بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة والمشروعة وغير المشروعة للعودة إلى كرسي الحكم، وبإمكانكم أن تنظروا الآن في جيل حنتوب، الذي هو في عمر الزهايمر، ما زال هذا الجيل يتربص بنا ويسعى بقوة للعودة إلى كراسي الحكم. لهذا، والحال هذه، فنحن نحتاج إلى من يستقدم لنا هذا المرض ويوطنه بين قادتنا السياسيين حتى ينسوا (حاجة اسمها سياسة)، وساعتها ما لم نستطع أن نحققه بالاستقالة أو بالتقاعد ممكن أن نحققه (بالزهايمر)، والله أعلم. مخرج.. معظم قادتنا السياسيين الآن هم في «عمر الزهايمر»، ومن فرط تفاؤلهم وتشبثهم بمناصبهم أخشى أن يقرأوها أنهم في «عمر الزهور» وليس عمر الزهايمر.