أكبر ورطة، أن تجد نفسك مجبرا على القفز من مكان خطير .. طلبا للسلامة ! المسألة مسألة تقييم للحالة، فلا بد أن تحسبها صح، قبل أن تقرر القفز، من الدور الرابع أو الخامس، أو من طائرة تهوي وانفتحت أبوابها، أو حتى من سيارة فقد سائقها السيطرة عليها. أشهر القافزين في العصر الحديث، هم أولئك الذين شاهدناهم على التلفاز، وقد اختاروا القفز من برج التجارة العالمي بنيويورك، حين داهمتهم الطائرات الانتحارية، فاضطروا لإجراء حسابات دقيقة، بين البقاء في الأدوار التي تفوق المائة دور، انتظارا لأن تلتهمهم النيران التي هاجمتهم بضراوة، أو أن يقفزوا للهاوية السحيقة، انتحارا، أو أملا في معجزة ما بالنجاة ! وحرامية المنازل، بالمناسبة، فصيل متقدم من المجازفين، فهم يتسلقون الجدران العالية، وطبعا هذا لا يحدث إلا في الظلام الدامس، فما زالت الغالبية الساحقة من أحيائنا، تتغطى بالظلام الكامل ليلا، وقد يضطر الحرامي للقفز داخل المنزل .. دون أن يرى الأرض التي سينزل عليها، والتي ربما تكون بئر سايفون تحت الحفر، فتكون رحلة هبوطه ورطة لا يتمنى أحد الوقوع فيها !! وفي أيام الدراسة، مارسنا القفز من وسائل المواصلات أثناء سيرها، لأننا كنا نخشى وقوف الناقلة في المحطة فلا نستطيع النزول إلا بشق الأنفس، حيث تساهم الأمواج المندفعة من طالبي الركوب، في قفل الأبواب، لكننا كنا نحسبها بدقة، فلا نقفز إلا بعد التأكد بأن سرعة المركبة .. لم تعد من الخطورة التي يمكن أن تدق فيها أعناقنا، والمسألة كانت تتعلق باللياقة البدنية المتاحة لكل قافز .. أما المتردد، فلم يكن أمامه خيار، سوى الانتظار .. والخروج من خلال الدفسة بكل ما تسببه من (بهدلة) !! بالأمس طالعت خبرا غريبا، وهو أن رجلا فرنسيا لقي حتفه قبل يومين في مركز تجاري بالعاصمة الفلبينية مانيلا، بعدما اندفع من أحد المطاعم، هربا من دفع فاتورة الحساب ! وقد قفز الرجل المرعوب، واسمه جان لويس باتيل، من الطابق الرابع للمركز، وارتطم بالطابق الأرضي .. ليلقى حتفه في الحال، حيث قرر الهروب وركوب الخطر، فور تلقيه فاتورة بقيمة 4000 بيسو (91،50 دولاراً)، وهي قيمة عشاء، واندفع راكضا من موظف بالمطعم كان يطارده، ليقرر القفز إلى مصيره المحتوم ! وهناك أنواع أخرى من القفز، وهو القفز الأفقي، والذي يبرع فيه الكثير من الرياضيين، وتقام له المنافسات الدولية المعروفة. ولقد حكى لي أحد معارفي، أنه كاد يهلك ذات يوم بسبب قفزة أفقية، فقد أراد تخطي خور أسمنتي غير مسقوف بالخرطوم بحري، حيث أراد الذهاب للجانب الآخر لبعض احتياجاته، وكان عبور الخور بطريقة آمنة يتطلب السير مشوارا طويلا في الشمس، فقرر القفز، لكن حساباته أخطأت، ونزلت رجله قبل بلوغ الحافة بسنتمترات، فسقط سقوطا لن تنساه (بحري)، لكنه لم يصب سوى ببعض الرضوض الشديدة، وخرج من الخور في موقف مشهود، بمساعدة أصحاب الفزعة من شهود الحدث !!إذا وجدت نفسك في موقف يتطلب القفز، فلا بد من الحساب الصح، حفاظا على عنقك العزيز .. من السقوط .. ومخاطره المهلكة.