بالرغم من التشديدات التي أعلنها وزير المالية والاقتصاد الوطني بعدم فرض أي رسوم أياً كانت نوعها حيث قال «لن نسمح لأي جهة مهما كانت هذه الجهة بفرض رسوم» مضيفاً أنه لا يعقل أن تأتي موازنة (2011) الجديدة خالية تماماً من فرض اي ضرائب جديدة ويتم تحصيلها بطريقة أخرى عبر الرسوم مؤكداً أنهم لن يسمحوا بذلك.. ولكن على الرغم من ذلك فهنالك ثمة مخاوف من عدد كبير من المواطنين والتجار والاقتصاديين الذين قالوا ل«الأهرام اليوم» أن هنالك عدم التزام بتنفيذ هذه التوجيهات، الأمر الذي يزيد من المخاوف حيث اعتدنا أن نسمع تصريحات ثم يكون الفعل يختلف تماماً عن القول. وأضافوا «نتمنى أن يحدث ذلك». وزير المالية أكد هنا أن لدى وزارة المالية أدوات كافية للرقابة والسيطرة على الرسوم التي يتم فرضها وأن هنالك عقوبات رادعة ستطال كل الذين يتجاوزون قانون الميزانية خاصة وأن الموازنة الجديدة جاءت وهي خالية تماماً من فرض أي ضرائب جديدة. وزير المالية أكد أن موازنة (2011) جاءت في ظل ظروف استثنائية عديدة تمر بها البلاد سواء على صعيد الوضع الاقتصادي العالمي والإقليمي والوطني أو الوضع السياسي أو الوضع الامني، فعلى صعيد الوضع السياسي لا شك أنكم تتابعون تطورات الأزمة المالية العالمية والتي اجتازت موطنها الأصلي في الولاياتالمتحدة وضربت الدول الصناعية الكبرى في أوربا وغيرها مما أوقعها في براثن الركود وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع العجز لمستويات كبيرة مع ارتفاع ديونها العامة. وبالرغم من تفاوت تأثر الدول الأخرى بمستويات مختلفة بما فيها السودان الذي ضربته الأزمة في قطاعه الخارجي وساهمت في اختلال ميزان المدفوعات وارتفاع التضخم وسعر الصرف وجاء الأثر السلبي عموماً في القطاع الخارجي بسبب اعتمادنا على عائدات النفط والتي وصلت نسبتها بالصادرات لأكثر من (90%) وتزامن هذا الوضع مع انخفاض نسبة الصادرات غير النفطية والانفاق المتزايد لمقابلة الاحتياجات الأمنية والسياسية والاجتماعية لا سيما في المناطق المتأثرة بالنزاعات إضافة لاستمرار ضعف الجهد الضريبي وضيق قاعدة الضرائب وإعفاء الضرائب الزراعية كما تأثرت الموازنة بانعكاسات تنامي الدين الخارجي الذي وصل الى (35.7) مليار دولار ولا تزال مشكلته بدون حلول لعدم تجاوب المانحين بسبب الحصار الاقتصادي غير المبرر والذي افقد الدولة فرصة التمويل الخارجي الميسر وبالتالي اللجوء إلى مصادر الدين الداخلي. هذه الظروف الراهنة ترتبط بتوقعات الظروف القادمة حيث أن العام القادم الذي يتم فيه تنفيذ موازنة (2011) هو العام الذي ينتهي فيه العمل باتفاقية السلام والدستور الانتقالي ويتم فيه اجراء الاستفتاء بفرصتي الوحدة أو الانفصال وتوقعات آثار ذلك على الموازنة العامة والتي تمثل برنامج الدول وخطتها للعام (2011) وبالتالي فإن اهم ما يميز الموازنة أنها ليست موازنة مصروفات وإيرادات فقط وإنما جوهرها اقتصاد كلي متوازن يقوم على أهداف وسياسات اقتصادية وإنمائية موجهة للقضاء وتخفيف آثار الصدمات الداخلية والخارجية المتوقعة ومواجهة التحديات المختلفة والتي نتوقع بأننا سنواجهها خلال (2011). ونذكر منها المحافظة على الاستقرار الاقتصادي بمعدلات موجبة في نمو الناتج المحلي الاجمالي وباستقرار سعر الصرف وكبح جماح التضخم والمضي قدماً في معالجة الخلل في الموازنة الداخلية بإزالة العجز الجاري بخفض الإنفاق الحكومي الجاري في حدود الموارد الحقيقية المتاحة أو زيادة الإيرادات أو بالإجراءين معاً وإزالة عجز ميزان المدفوعات عن طريق زيادة العرض الكلي وزيادة الإنتاج وتقليل الطلب على الواردات في السلع الكمالية غير الضرورية بإجراءات مالية. وأضاف وزير المالية الذي كان يتحدث في المؤتمر الصحافي الذي عقده لاستعراض موازنة (2011) أن عدم تطبيق حزمة متكاملة من الاجراءات سيقود لزيادة معدلات التضخم بصورة مستمرة ومتزايدة ثم إلى تدهور مستمر في سعر الصرف وتراجع في الاستثمار الاجنبي وتدني الناتج المحلي الإجمالي ومن ثم عودة الندرة في السلع الأساسية والسلع الاستهلاكية الضرورية، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة حدة الفقر والعوز والبطالة فلابد من مكافحة حدة الفقر والنهوض بالمؤسسات المالية والتكافلية وتأمين احتياجات البلاد من السلع الإستراتيجية لبناء مخزون إستراتيجي وإثبات مبادئ الشفافية والحكم الراشد وحكم القانون والمحاسبة ومحاربة الفساد ودعم القطاعات الحقيقية، الزراعة والصناعة لتوفير سلع للاستهلاك المحلي والصادر. وأوضح الوزير أن موازنة (2011) جاءت كما قلنا خالية من الضرائب كما سيتم مقابلة الإنفاق الجاري بدون عجز أو استدانة وسيتم وفقاً لوزير المالية تخفيض مرتبات الدستوريين وتقليل السفر والمأموريات. وأضاف سنبدأ بالحكومة أولاً ولن نجامل أحداً. أما فيما يتعلق بعربات الدستوريين فقد اشترينا عددا مقدرا من العربات تم الاحتفاظ بها بمجلس الوزراء لتكون جاهزة للمأموريات وتكون سيارة (الكامري) هي سيارة الوزير حيث رفعنا طلبات عربات (اللاندكروزر) .. فلا تبديل للسيارات ولا حتى الأثاث المكتبي. الموازنة الجديدة بحسب وزير المالية جاءت خالية تماماً من أي زيادة في الأجور ورد هنا الوزير على تساؤلات وجهتها له «الأهرام اليوم» بالخصوص فقال: «سنكتفي فقط بالعمل على استقرار الأسعار وتخفيض تكلفة المعيشة وذلك حتى لا تصبح (المرتبات) زيادة تضخمية ومن ثم المحافظة على القوى الشرائية.. فالتضخم واستقراره يؤديان إلى استقرار الأسعار». د. صابر محمد حسن محافظ بنك السودان له رؤية أخرى في التضخم حيث قال إن التضخم أخطر مرض يصيب الاقتصاد فهو مرض سيء. وكما قال الرئيس فهو عبارة عن حرامي (يسرق) (القروش) من (جيوب) الفقراء. وأوضح أن ترشيد الصرف الحكومي سيؤدي الى تقليل الإنفاق والاستقرار الاقتصادي واستقرار الأسعار وتوفير سيولة مناسبة لإدارة العمل. الموازنة الجديدة تحدثت عن الذهب ويبدو أن وزراة المالية قد التفتت مؤخراً للذهب في إشارة منها لتنويع اقتصادها وعدم الاعتماد الكلي على النفط واعلنت على لسان وزير المالية عن دخوله في دعم الموارد من العملات الصعبة (50) طنا في العام قابلة للزيادة وتوسيع مجالات التعدين الأهلي في كثير من الولايات الشمالية. وأضاف أن البنك المركزي هو الذي سيتولي أمر شراء الذهب للاستفادة منه لأنه مصدر للعملات الحرة. وأشار د. صابر هنا إلى أن الذهب لم يعد سلعة (عادية) وهو سلعة (نقدية). الآن البنك المركزي بصدد وضع تصور لشراء الذهب من المنتجين. ديون السودان الخارجية أيضاً أصبحت تشكل قلقاً للمالية وهي التي تمنع السودان من التمتع بالقروض والمنح فماذا قال الوزير بشأنها؟ وزير المالية أشار الى إجتماعات المائدة المستديرة بواشنطون والتي تناولت ديون السودان الخارجية وتم تشكيل مجموعة عمل لمعالجة الديون فهنالك إمكانية لإزالة الديون التي حرمتنا من القروض الميسرة. د. مريال اواو يول وزير الدولة بوزارة المالية قال إن الأسباب السياسية هي التي وقفت ضد إعفاء ديون السودان الخارجية.. فالسودان استوفى شروط الإعفاء ولكن هنالك شروطا سياسية تمثلت على حد قولهم في حل مشكلة دارفور ونهاية الاستفتاء بجنوب السودان، ويبقى السؤال هل موازنة (2011) ستلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني؟!