{ أبصرته أعمالاً درامية رائعة ومسرحاً يبثه التلفزيون القومي في فترات متباعدة وأدركته كفاحاً وانا أمام خشبة المسرح بمدينة كسلا في منتصف التسعينات من القرن الماضي وهو يقدم رائعته المهرج فعشقته فناناً سودانياً يبعث على الفرح والضحك الجميل والرسائل المنتقاة نصاً وحركةً داخل العرض المسرحي فيخدم العام من شؤون الناس في سلاسة تستعصي على غيره من مبدعي بلادنا الحبيبة، الذين نحبهم أكثر من حبنا لأطفالنا ونعطف عليهم وهم في ضيق من الحياة مقيم، لا مال لهم ولا سيارة تحملهم الى جمهورهم وقد احتشد الجمهور بسيارات فارهة وذكية يحاصرون المسرح قبل أن يترجلوا منها ليحاصروا خشبته وسط ضحكات يبعثها فيهم القادم راجلاً من نجوم المسرح في بلادنا، من على الخشبة ومن ثم يتفرقون سراعاً تحملهم سياراتهم، أما أصحاب النص والعرض فإنهم يزحفون الى أحياء طرفية، يطرقون أبوابها قبيل الفجر بساعة، هم يا إخوتي أفقر قطاعات شعبنا، ورصفاؤهم في بلاد مجاورة أغنى قطاعات شعبهم وبالرغم من ذلك لم ينقطع عطاؤهم ولم تتراجع نجوميتهم ولم تحبس الإمكانيات المفقودة أفكارهم الكبيرة من رؤية النور من على مسارحنا.. وليتهم حازوا تلك الإمكانيات الكبيرة، ويومها سينهض مسرحنا متقدماً مسارح الأمم الأخرى. { تعرّفت على محمد نعيم سعد منذ سنوات خلت ومن يومها أيقنت أن هذا السوداني الجميل ثروة قومية ونهر إبداع، أرهقني إعجاب به سكن فطرتي وتجربتي ومعرفة ناهضة بدأت أحوزها عن هذه الفنون الجميلة وهو يتجول فيها منقباً ومتوهجاً بالسهل الممتنع، يسعفه خيال مدهش ومعالجة دقيقة وجميلة تتوزع في داخلها مقومات العمل الفني بمهنية متناهية دون أن تتخاصم أو يتباين مردودها في خدمة العمل كوحدة فنية متكاملة وفي إطار كل ذلك تنسرب روح الفكاهة والمتعة دون أن تضغط على النص فتخرجه من خدمة المجتمع ودور المسرح والأنشطة الدرامية حيال مجتمعاتها، وبهذه الموهبة وهذا الإبداع أنتج محمد نعيم عشرات الأعمال التلفزيونية والمسرحية المميزة التي مازالت تطرق بقوة في ذاكرة الشعب السوداني وهي تحتفي بفنوننا وعلى رأسها هذا النوع من الإبداع، وقد بدأ محمد أولى خطواته فيه في مطلع السبعينات، تحديداً في العام 1973م، وقد نال وقتها كأس أفضل ممثل في الدورة المدرسية وتواصلت إبداعاته ومساهماته في البرنامج التلفزيوني الشهير (المحطة الأهلية) التي كانت واحدة من إبداعات الراحل الخالد العميري، وفي المسرح ساهم محمد نعيم بعدد من المسرحيات منها (المدرسة المختلطة) و(حبظلم بظاظا) و(بيان رقم واحد) و(دش ملك) و(حاج مذكر) و(المهرج) التي بدأ محمد نعيم عروضها يوم الأحد 2/7/1989م عصراً بعد يومين من انقلاب 30 يونيو وقد استمرت هذه المسرحية في تقديم عروضها لعشرة أعوام وهي ذات المسرحية التي أشاهد فيها محمد نعيم وكان ذلك في كسلا في العام 1995م أي بعد خمسة أعوام من انطلاقة عروضها، وفي جانب الأعمال التلفزيونية ساهم محمد نعيم بعدد من الأعمال الناجحة منها سلسلة (متاعب) وفليمي (الحركة من أسفل) و(الصعود الى السطح) لكاتب هذه السطور بالإضافة لعشرات الأعمال التي لا يتيح لنا المجال مساحة لذكرها. { مطلع هذا الأسبوع، وبدعوة من الأخ محمد نعيم، أتحيت لي فرصة عظيمة لحضور عرض مميز لمسرحيته الجديدة (أبيض وأسود) وصدقوني فقد شاهدت عملاً فنياً متكاملاً وجميلاً ورائعاً وممتعاً، خرجت منه بكم هائل من المعلومات والحقائق التاريخية لهذا البلد العزيز ومحمد نعيم معروف بتكنيكه المدهش وهو يعود بالنص المسرحي لفترات سابقة من تاريخنا ثم يوظف هذه العودة في عملية مقاربة ناجحة وسهلة بين الماضي والحاضر الذي بين أيدينا وقد كان محمد هائلاً عندما وظف هذه الجزئية ليعود بنا الى مملكة (كوش) ويبرز طابعها وعظمتها ويربط بينها وبيننا كشمال سوداني هذا هو تاريخه رغم أنف ما يدعيه بعض الغفلة من قيادات الحركة الشعبية وهم يتهيأون لسرقة هذه المملكة بالذات لتكون واحدة من الخيارات لتسمية دولتهم المرتقبة، وكذلك يعالج محمد الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بذكائه وخبرته المعهودة دون إخلال أو مباشرة هكذا تمضي المسرحية حلوة وممتعة وهادفة حتي نهاياتها. { محمد نعيم يعشق السينما ويعالج بتكنيكها مسرحياته وأعماله التلفزيونية وقد تشرّب بها منذ أن كان طفلاً يرافق والده الى السينما التي كان يعمل بها فنشأت علاقة إبداع جعلته عميقاً ومتفرداً في المعالجة البصرية، ولكن للأسف لم تُتح لمحمد نعيم إمكانيات لصناعة سينما وفي وجدانه حب وأفكار كبيرة لإنتاج المميز من هذا الفن السابع، هو قدره.. يبحث عن صناعتها في بلد توقفت فيه السينما لعقود تزامنت مع عقود إبداعه.