{ لا يزال الفريق الفاتح عبد المطلب، أمير إمارة العبابدة بالسودان، المعتمد الأسبق لمعتمدية شندي؛ مايزال محل احتفاء بعد عودته منذ أسبوع من سفرية استشفاء امتدت لشهور بالقاهرة. ويذكر أن سعادة الفريق الفاتح قد فقد رجله الأولى إثر لغم في طريق (جوبا ياي) أثناء قيادته متحرك الوطن الواحد، ثم فقد رجله الثانية إثر عملية جراحية مؤخراً بالقاهرة. هرعنا إليه تحت وطأة الصدمة والألم فقابلنا بكبريائه المعهود قائلاً: «هوّنوا على أنفسكم.. فرجلي الأولى قد دُفنت مع الشهيد محمود شريف.. والثانية قد دفنت بمقابر السيدة زينب». هكذا ما بين «الاستوائية والقاهرة»، يسطِّر سعادة الأمير تاريخاً من ذهب. مَن يكتب هذا الكتاب الذي دارت افتتاحيته ما بين (شندي فوق) والريفية واللواء العاشر مشاة، مَن؟ «مَن غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر مَن غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدة والسِيَر مَن غيرنا لصياغة الدنيا.. وتركيب الحياة القادمة جيلي أنا.. جيل العطاء المستجيش ضراوةً ومصادمة» { وسأقف هنا عند بعض المحطات التي يمكن أن يستفيد منها بعض الذين يرغبون في توثيق هذه المسيرة، للتاريخ والأجيال والعبابدة: ينحدر الفاتح عبد المطلب من بطون قبيلة العبابدة، القبيلة التي تعرفها «النجوم والصحراء والتاريخ» بين دراو وبربر، وذلك على حين مصاهرة على شاطئ النيل مع قبيلة العبدلاب عمودية الأنقرياب التي موطنها ومسقط رأسها الباوقة.. (يوم نحنا جماعة وركبنا اللوري ماشين الباوقة القصاد أرتولي ومشينا العمدة ورفض ما يمضي حليل الزول الحمانا الغَمْدة) { إذن، الفاتح هو «ابن العموديتين» أو النظارتين، لكن شندي تظفر بشهادة الميلاد، ويظل الفريق الفاتح يحمل «لوحات شندي وتاريخها»، شندي وما أدراك ما شندي. هكذا وُلد في معقل نظارة الجعليين، وعلى حافة اللواء العاشر مشاة، ويستحق لقب (ابن الحيشان التلاتة) والنظارات؛ النظارة الأولى العبابدة (بالأصول) ونظارة العبدلاب بالمصاهرة ونظارة الجعليين «بالإقامة والميلاد» ونظارة رابعة (نظارة المدفعية) بشرف الخدمة الطويلة الممتازة. { ومن شندي الثانوية الى الكلية الحربية، الكلية الحربية أيام (أبوكدوك). { في عام 1973م، الملازم الفاتح عبد المطلب داخل قطار اكسبريس حلفا، والوجهة «الجبهة المصرية» إلى جانب الملازم أول أو النقيب لا أدري، عمر حسن أحمد البشير، والمسافة المهنية بينهما دفعة أو دفعتان، لا أدري، والمسافة المكانية عشر دقائق، المسافة بين (الحجازة بشندي فوق) وحوش بانقا، الريف الجنوبي لمدينة شندي. { قُبيل الإنقاذ بعام أو بعامين، وعلى إثر مذكرة القوات المسلحة الشهيرة يُرسل العقيد الفاتح عبد المطلب الى أتون الاستوائية قائد ثاني المتحرك، أو بالأحرى يُبعد، ثم لا يلبث أن يقترب من أولاد منطقته بعد بضع سنين قضاها مقاتلاً في الأحراش في أحلك الأوقات، يوم كان الجيش لا يملك الكاكي فضلاً عن الأسلحة والتعيينات! { يعود العميد الفاتح عبد المطلب عند منتصف التسعينات ولكن (بساق واحدة) على إثر لغم في طريق (ياي جوبا)، وبعد عملية جراحية جريئة اضطلع بها الشهيد الدكتور عوض عمر السماني «تحت شجرة» والإضاءة «بطارية طورش» والرحلة طويلة طويلة طويلة. { غير أن القصة الأكثر إيلاماً (يا خال)؛ هي أنك قد بادرت ببتر ساقك الأولى حتى لا يُبتر الوطن الواحد، والآن الوطن يُبتر، بعملية جراحية (بدون بنج)، غير أن العزاء أنك قد أرسلت ساقك أمامك الى الجنة، و«ساق الوطن تُساق» بعيداً بعيداً الى كمبالا وتل أبيب وواشنطن! واليوم نبكي كالنساء مُلكاً لم نحافظ عليه كالرجال. { ربنا يديك الصحة والعافية. ابن أختك المكلوم/ أبشر الماحي والسلام