انتشرت ظاهرة التسوُّل بصورة مزعجة للغاية حتى ضاقت بهم الطرقات وهم يسألون الناس إلحافا.. وامتدت يد المتسوُّلين حتى وصلت الأحياء وهي تطرق المنازل وتسبِّب ازعاجاً للمواطنين. فعندما يتم طرق الباب بصورة مزعجة وبإلحاح شديد يعلنه جرس المنزل، فتهب مسرعاً لتجده أحد المتسوِّلين يحمل في يده ورقة بيضاء يحكي من خلالها عن (مُعضلته) والغريب في الأمر أن معظم متسولي المنازل بالأحياء (نساء) ومن جنسيات مختلفة فيتكرر عرض المشكلة وقد تعرض عليك اليوم مشكلتها لتأتي بعد أسبوع وكأنها قد نسيت لتقول نفس الكلمات التي قالتها وسردتها بالأمس مما يؤكد أن التسوُّل ليس لقضاء حاجة تنتهي بمجرد أن يتم إعطاؤها ما تريد، ولكن تتكرر الكلمات (أريد أن أشتري علاجاً لأن ابني أُصيب بمرض ولا نستطيع أن نوفِّر له فاتورة العلاج) أو أريد مبلغاً من المال حتى (أصل) إلى أهلي في إحدى الولايات النائية.. أو أبنائي طُردوا من المدرسة لعدم تسديد الرسوم! وآخرون يقولون نريد مواصلة الدراسة بالسودان ولكن بحاجة إلى مبالغ تمكننا من الاستمرار في الدراسة، وكذلك تكاليف المعيشة و(يمد) لك ورقة طولها وعرضها واحد تحوي تفاصيل ما تريد وهكذا!! فالتسوُّل يعتبر من الظواهر الاجتماعية غير الحميدة. فالدين الإسلامي قد نهى عنه حتى ولو كنت في أمسّ الحاجة إليه حيث قال سيد البشرية صلى الله عليه وسلم «يأتي السائل يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم» وحديث آخر أن نبي الله داؤود كان يأكل من عمل يده.. وآخرون وصفهم القرآن الكريم بالتعفف قال تعالى:«يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا» البقرة (273) فعلى الدولة ممثلة في وزارة الرعاية الاجتماعية محاربة هذه الظاهرة التي أصبحت مزعجة طالما أنها وصلت الأحياء بعد أن كان التسوُّل ينحصر على الطرقات وأماكن المواصلات والأسواق، يحاصرون المارة من جميع الاتجاهات حتى يضطرون إلى تغيير مسارهم في بعض الأحيان. فولاية الخرطوم كانت قد أعلنت في وقت سابق عن محاربة هذه الظاهرة بشتى السُّبل وتوفير عمل شريف لمحترفيها وإدخالهم في التدريب المهني بعد أن اعترفت بأنهم باتوا يشكّلون إزعاجاً ويشوهون صورة العاصمة الخرطوم، كما أن دراسة قد أجريت حولهم اتضح أن نسبة كبيرة منهم غير سودانيين وأن الولاية كما قالت ملتزمة بإقناعهم بالعودة وإرجاعهم إلى ديارهم التي جاءوا منها. ولكن يبدو أن الولاية لم تنجح في إقناعهم أو إدخالهم في مراكز التدريب المهني لأنهم يشكِّلون مراكز قوة و(كالنبت الشيطاني) إذا تمت محاربته من هنا ظهر في جهة أخرى! لذا فلابد من وضع خطة لمحاربة هذه الظاهرة بشتى الطرق ولا أظنهم سيقتنعون بوظيفة لأن ما يتحصلون عليه جراء (الشحذة) و(التسوُّل) يكفي ما يريدون ولاحاجة لهم في الوظيفة أو الانضمام إلى التدريب المهني للتدرُّب على الكهرباء أو الميكانيكا.. وأحسب أن الرقم الذي كان قد أُعلن عن أعداد المتسولين قد تضاعف الآن بحسب ما نرى ونشاهد الآن.. فقد تجدهم في الأحياء كما قلت وفي الطرقات وأمام الأستوبات وفي أماكن تجمُّع المواصلات والكافتريات. فعلى وزارة الرعاية الاجتماعية أن تبدأ في وضع خُطط جديدة (غير) التي وُضعت لأن خُططها (القديمة) لم تنجح في محاربة هذه الظاهرة التي ازدادت وكأنها قد دخلت في تحدٍ مع الرعاية الاجتماعية، لأن نشاطها قد توسّع الآن وضم الشيوخ والشباب والنساء والأطفال. والغريب في الأمر أن النساء المتسوِّلات يأتين إلى الأحياء بعد أن (يخفين) وجوهن يسألن بحياء وخجل، فما دام الأمر به حياء وخجل، فلماذا إذن التسوُّل..ولماذا لا تسعى الواحدة إلى وسائل عديدة لكسب العيش الحلال لتتعفّف كما دعانا إلى ذلك القرآن الكريم؟! فالأسرة التي تعتمد على التسوُّل وسؤال الناس لاشك أنها ستُخرِج أمة غير قادرة على العطاء.. فالأبناء سيتجهون كذلك لكسب العيش عن طريق (مد اليد) ويتبدد الطموح وتنتشر الأمية وتكثُر (الفواحش) ما (ظهر) منها وما (بطن) وتموت المروءة. إذن.. لابد من محاربة التسوُّل بكل ما أوتينا من قوة فلنبدأ بخطة تحوي ضوابط صارمة ولا مجاملة في ذلك حتى نحفظ ماء وجه السودان وكما أن (الدّيْن) يكسر هامة الرجال ويطأطئ الرؤوس فالتسوُّل كذلك يكسر هامة البلد ويشوِّه صورتها أمام زائريها.