{ نعود مرة أخرى إلى مبارك الفاضل محاولين عبره قراءة مستقبل الصراع السياسي بعد التاسع من يناير 2011م باعتباره بداية لحقبة جديدة من تاريخ بلادنا، أبرز معالمها خروج الحركة الشعبية من اللعبة السياسية، مع بقاء تأثيرها العابر لحدودنا الجديدة، وعلاقاتها القديمة ببعض تيارات قطاع الشمال الذي لن يقوى على الصمود وحده، مما يضعف حظوظ البعض أمثال ياسر عرمان الذي انتهت صلاحيته للحركة الشعبية، التي كانت تفرضه رئيساً للقطاع وهو لا يملك جيشاً يأتمر بأمره كما هو الحال لقيادات الحركة الشعبية من أبناء النيل الأزرق وجبال النوبة، الذين ستقوى حظوظهم وربما تتصاعد وتيرة حراكهم السياسي ويدخلون في تحالفات جديدة مع حكومة الخرطوم، التي تعلم جيداً ضرورة مضاعفة جهدها في هذا الاتجاه، وقد انطلقت أنشطتها في هذا الجانب منذ فترة طويلة من برامج تنموية أحدثت نقلة مقدرة في تلك المناطق، بجانب تقارب سياسي واضح يتصاعد كلما اقتربنا من ساعة الصفر مع قيادات النوبة والنيل الأزرق، بعد أن تكشّف لهم فشل الحركة الشعبية في مشروع السودان الجديد، والإستعاضة عنه بالانفصال وقيام دولة لهم غير آبهين لرفاق النضال والثورة. { مبارك الفاضل يعوّل على هذا الحلف (عرمان، عقار، الحلو) وقد يكون وراء تصريحاته الأخيرة التي حذَّر فيها الحكومة من تحالفات تنشأ على هذه الشاكلة، ترتيبات وتنسيق سياسي مع أحد أضلع الحلف الذي أشرنا إليه، وبالذات (عرمان) وربما (الحلو)، وأستبعد أي تقارب بين (عقار) و(مبارك)، وهذه الخطوات ربما دفعت مبارك الفاضل في اتجاه العودة إلى حزب الأمة القومي وهي عودة فاجأت الصادق المهدي نفسه وربما أربكته بسبب المرونة الكبيرة التي أبداها مبارك، التي فسرتها بعض الأوساط بتسليم نفسه للسيد الصادق ليفعل به ما يشاء، ولكن رويداً رويداً سيبدأ مبارك الفاضل في تنفيذ إستراتيجيته التي يرمي إليها من وراء عودته إلى الصادق المهدي، على سبيل المثل القائل (تمسكن حتى تتمكن). { السؤال المهم هل سيفلح مبارك الفاضل في استدراج الصادق المهدي إلى الحلف الذي يخطط له عرمان، وأفصح عنه في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بعقار والحلو، وإعلانه مواصلة قطاع الشمال لنشاطه كحزب باسم الحركة الشعبية بالشمال، حتى وإن انفصل الجنوب، وقد أطلق عبارته الشهيرة (نحن باقون ما بقي الشمال). لا سيما أن مبارك أفلح في استدراج الصادق المهدي من قبل إلى المصالحة الوطنية، واتفاق جيبوتي، ومشاركة الجبهة الإسلامية في حكومة الصادق في الفترة الديمقراطية. وهل سيقوى هذا الحلف على الصمود أمام الاستقطاب الحاد الذي سينشط فيه المؤتمر الوطني، بالإضافة إلى قوى سياسية مقدرة تقف خارج هذا الحلف منها الحزب الاتحادي الأصل، وقطاعات واسعة من أبناء تلك المناطق قالت كلمتها في الانتخابات الفائتة وانحازت للمؤتمر الوطني الذي يحوز على أكثر من ثلثي عضوية المجلس التشريعي بكل من النيل الأزرق وجنوب كردفان. { بعض الأوساط تفسر عودة مبارك الفاضل بأنها استباقية بعد تصريحات الرئيس البشير بالعمل من أجل قيام حكومة ذات قاعدة عريضة، وذلك إما لحثه على المشاركة وضمان تفويتها على الاتحاديين الذين يناصبهم عداء تاريخياً ومزاجياً، وكذلك لضمان مشاركته هو فيها أو لحمل الصادق على عدم المشاركة لصالح الحلف الذي يخطط لقيامه مع عرمان. { علي كل حال لن يكون مبارك الفاضل اللاعب الرئيسي في المرحلة القادمة لعدم ثقة كثيرين فيه بمن فيهم السيد الصادق المهدي نفسه، وبالرغم من محاولاته المبكرة تحريك الساحة والإمساك بتطوراتها.