كم أجد نفسي حزينة والحزن ينتابني وأنا أتابع عمليات الاستفتاء والتي تُشير إلى أن الانفصال قد أصبح أمراً راجحاً، حيث أصوات بعض الجنوبيين تقول«باي باي الخرطوم» مما يؤكد أن الانفصال الذي تُنادي به بعض الفصائل، وأرغمت عليه أخرى، قد أصبح قاب قوسين أو أدنى.. نتمنى من الله أن تُرجّح كفة «الوحدة» لأن السودان عُرف بتشكيلته الجميلة الرائعة وعرفه الثقافي والديني والتسامح بين الأديان. حزني لم يكن لآبار بترول تذهب مع الجنوب حال الانفصال لأن الأرزاق بيد الله تعالى، وكما قال علي عثمان محمد طه في خطابه الشهير لمزارعي الجزيرة والمناقل، قال لسنا خائفين من رزق ينقطع لأن الأرزاق بيد الله تعالى.. فالتنوُّع العرقي والثقافي هو الذي سنفقده عبر تاريخ السودان الطويل والذي يحكي سماحة أهله، وحتى الآن ما زلنا نحفظ عن ظهر قلب تلك القصيدة الشهيرة والتي درسناها بالصف الرابع بالمرحلة الإبتدائية والتي تؤكد الوحدة وتقول: منقو قل لا عاش من يفصلنا فهذا دعاء بعدم «الحياة» لمن يدعو للانفصال، فصديقنا «منقو» يبدو من خلال هذا المقطع أنه من محبي الوحدة، لذا فقد خاطبه أصدقاؤه بأن يدعو «بالموت» للانفصاليين.. نعم.. عرفنا السودان بمساحته «المليون ميل مربع»، وكم تغنى الفنانون بهذه المساحة وكتب الشعراء.. بلد مليون ميل مربع قعد في قلوبنا واتربّع وأيضاً هناك من تغنى لسحر الطبيعة التي تميّز بها جنوب السودان حيث قال البعض في «جوبا»: ليل أسود سماء اتلبّد سحاب «اتلمّ» و«اتقدّد» برق «أصعد» غابات «جد» محل الزول يعيش هانئ «لا بِيحِر» و«لا يبرُد» محل ما بتطلع شمس «ضُمّة» وما بتنشاف سنين وأعوام محل ما «رقدت» الأنعام منقة وموز والأناناس لا «تربال» ولا «حُرّاس» هذا هو جنوبنا الذي كتب عنه شعراء الشمال.. كتبوا باعتباره جزءاً لا يتجزأ منهم.. فالآن وقبل إعلان نتيجة الاستفتاء يودعوننا عبر الفضائيات «باي باي خرطوم» ولكنكم حتماً ستشتاقون للشمال.. الشمال الذي «صاهركم» وقدّم الكثير من خيرة أبنائه شهداء في سبيل الله والوطن، وفي سبيل أن تقف الحروب، نعم قدمنا خيار الأبناء.. فما من أسرة سودانية إلا وقدمت من بنيها شهيداً، ولكن كل ذلك يهون من أجل وقف الحرب التي دمّرت البني التحتية وتوقفت معها عجلة التنمية والبناء والإعمار لأن ميزانية الدولة كانت تتجه إليها، بل وفي كثير من «المرات» تُحوّل لميزانية حرب. وصبر الشعب السوداني حتى جاءت اتفاقية نيفاشا ورفرفت حمامات السلام وحينها، قال عمر البشير رئيس الجمهورية في حفل استقبال د.جون قرنق، قال: (علينا أن ننسى الماضي بكل مراراته). نعم الماضي يحمل الكثير من المرارات.. مرارات الحرب والشهداء وإيقاف عجلة التنمية في بلد كان بحاجة ماسة إلى النماء بعد أن فرّقته الحرب، ودونكم ما تحقّق بعد أن توقّفت الحرب.. فالطرق والسدود والمصانع كانت أكبر دليل على أن قطار التنمية قد بدأ.. «تقدِل» طفلة حلوة.. وبين إيديها كتابها والحبوبة تمسح بالحنين أكوابها «القمرية» تصدح تستريح «دبابة» والقطر «القبيل» «يمشي» ويشق الغابة.. وكما قلت فإن الحزن ينتابني وأنا أكتب هذه المساحة بعد أن «ودعنا» «حلوم» و«أبوك» و«ربيكا» و«كوال» و«تريزا» و«أبيلا» ودعناهم مع الدموع.. ودعنا «حلوم» في أول رحلة إلى الجنوب ولا ندري ما حالها وكيف هي الآن؟؟ وقد كانوا مثالاً للأمانة والوفاء والإخلاص وقد نشهد على ذلك في طوال فترة معرفتنا بهم. وأخيراً نقول: منقو قول لا عاش من يفصلنا..