حزنت جداً وأنا أشاهد خريطة السودان الجديدة بعد أن خرج منها الجنوب بما يعادل (ربع) المساحة .. الخريطة أبكتني وأنا أتابعها بعد أن أضحت خريطة شمال السودان وأذكر هنا عندما كنا نتلقى العلم بالمرحلة الإبدائية وتحديداً بالصف السادس كنت أجيد جداً رسم خريطة السودان كان رسماً لا يتعدى عندي ال5 دقائق أبدأ أولاً بوضع علامة استفهام كبيرة من على الشمال أضعها هكذا(؟) ثم أتابع بقية الخريطة وكنت حريصة جداً على ذكر العواصم بدءاً من الخرطوم وودمدني وجوبا ثم أتفنن في رسم فروع نهر النيل (نهر عطبرة وبحر الجبل) حيث أذكر أن أستاذ الجغرافيا كثيراً ما كان يحدثنا عن أسماك بحر الجبل وكيف أن الجنوب يعتبر ذات أراضٍ خصبة جداً فالذي يتم زراعته يأتي بإنتاج كبير أضف إلى خيرات الجنوب الأخرى من فواكه وأسماك وغيرها حيث تكثر السنارات والأشرعة التي كانت تجوب البحر من أجل اصطياد الأسماك، فكانت هنالك الكثير من الصور والمشاهد الجميلة التي تحكي روعة وسحر الجنوب حتى قال عنه شاعر الشمال وهو يصفه بعد أن تلبدت السماء بالسحب: ليل أسود سماء اتلبّد .. سحاب اتلمّ واتعدد برق أصعد غابات جد محل الزول يعيش هاني لا بيحر ولا يبرد محل ما يتطلع شمس ضُمه ولا بتنشاف سنين وأعوام محل ما رقدت الأنعام منقة وموز والأناناس لا تربال ولاحُرّاس هذا هو الجنوب، فالخيرات تبدو متدفقة بدون (حُرّاس) وكذلك (التربال) ولمن لا يعرف التربال فهو الذي يقوم بالرعاية للمزروع ويحميه من السرقة والطيور حيث يكثر بالولاية الشمالية فقط من أجل الرعاية وكذلك الحُرّاس ..أما في الجنوب الأشياء (مدفقة) بدون حراسة. الآن نفقد جزء أصيل من تركيبتنا بعد أن خرج الجنوب سنفقد إخوان لنا أعزاء باتوا مكرهين على خيار الانفصال والدليل على ذلك الدموع التي زُرفت وهم يودعون زملاءهم في مواقع العمل .. خرج (6) آلاف من العاملين بدولة الشمال ولسان حالهم يقول (لن ننسى أياماً مضت قضيناها) سيغادرون رغم حبهم للشمال وللسودان الواحد المتحد لتندثر مقولة (منقو قل لاعاش من يفصلنا) المقولة التي تقول كذلك (لاشمال بلاجنوب ولا جنوب بلا شمال .. كلنا إخوان)، اندرثت هذه المعاني الجملة التي حفظناها عن ظهر قلب ونحن طلبة يافعين .. ودعانهم بالدموع التي ابتلت بها (المناديل) وكثرت (العبرات) ليذهبوا كما قلت (مُكرهين) والدليل على ذلك حديثهم عن عدم ارتياحهم للانفصال .. الانفصال الذي جاءت به فئة قليلة على حساب الفئة ذات الثُقل الأكبر والمغلوب على أمرها. فقد حكت لي إحدى الذين غادروا الشمال مبكراً .. بأن الحال هنالك يغني عن السؤال بعد أن (جُعنا) و(اتبهدلنا) وتم نهبنا قبل الوصول. فالأمور هناك لم تترتب بعد والدليل على ذلك الغلاء والارتفاع الكبير جداً في الأسعار وعدم توفر الغذاء بالصورة الكافية والتي تؤمِّن المسيرة الغذائية. ذهب الجنوب والمشاهد التي نشاهدها من قبل الوزارات والمؤسسات وهم يودعون زملاء المهنة تؤكد عظمة إنسان الشمال الذي يعي ويعلم تماماً بأن ما بينه والجنوب ليس بترولاً ولا أنبوب نفط وإنما إرث وتاريخ وجغرافيا وثقافة وعلوم ودم ورحم بعد أن تصاهرت العديد من الأسر ما بين شماله وجنوبه.. فقلوبنا مازالت مفتوحة .. فكل ما نتمنى أن تعيش الدولتين في سلام وأمان بعيداً عن الأجندة الخارجية التي سعت من أجل زعزعة السودان المتحد وقد كان بعد أن نجحت في تنفيذ أجندتها ليكون الضحية المواطن الجنوبي الغلبان. التحية لسوداننا الشمالي وهو يقدم في آخر اللحظات الكلمات الطيبات والدعم المالي الكبير بعد أن أعلنت المالية عن تبرعها بمبلغ (100) ألف جنيه للعاملين الجنوبين المغادرين لوزارة المالية إلى الجنوب.