حوار صريح مع الصادق الرزيقي وآخرين من عقلاء الرزيقات    ردًا على العقوبات الأمريكية.. بورصة موسكو توقف التداول بالدولار واليورو    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    بعرض خيالي .. الاتحاد يسعى للظفر بخدمات " محمد صلاح "    ((هولاء رجالي فجئني بمثلهم ياجرير))    راشد عبد الرحيم: عودة المصباح    مصطلح الكسرة في السودان يعني الرشوة ولا تقل خطرا من بندقية حميدتي    "أشعر ببعض الخوف".. ميسي يكشف آخر فريق سيلعب لصالحه قبل اعتزاله    بعد انحسار الأزمة.. الاقتصاد يعزز التوافق بين الرياض والدوحة    ميسي: هذا النادي سيكون وجهتي الأخيرة    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    شاهد بالفيديو.. في أجواء جميلة.. لاعبو صقور الجديان يحملون علم جنوب السودان عقب نهاية المباراة ويتوجهون به نحو الجمهور الذي وقف وصفق لهم بحرارة    الدولار يسجل ارتفاعا كبيرا مقابل الجنيه السوداني في البنوك المحلية    "ضحية" عمرو دياب يريد تعويضا قدره مليار جنيه    شاهد بالفيديو.. الفنانة إيمان الشريف تغني لصقور الجديان عقب الفوز على جنوب السودان وتنشر أهداف المباراة (السودان بي جيوشو فيهو رجال بحوشو)    شاهد بالفيديو.. الجيش يتمدد في أم درمان ويقوم بتنظيف السوق الشعبي والمناطق المجاورة له    ناشط جنوب سوداني يكتب عن فوز صقور الجديان على منتخب بلاده: (قاعدين نشجع والسودانيين يهتفوا "دبل ليهو" ولعيبة السودان بدل يطنشوا قاموا دبلوا لينا..ليه ياخ؟ رحمة مافي؟مبروك تاني وثالث للسودان لأنهم استحقوا الفوز)    الشراكة بين روسيا وقطر تتوسع في كافة الاتجاهات    ابو الغيط: استمرار الحرب في السودان يعجز الدولة عن القيام بدورها    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    قطر ياأخت بلادي ياشقيقة،،    هدية معتبرة    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    تُقلل الوفاة المبكرة بنسبة الثلث.. ما هي الأغذية الصديقة للأرض؟    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    عدوي: السودان يمر بظروف بالغة التعقيد ومهددات استهدفت هويته    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    إسرائيل: «تجسد الوهم»    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفصال الجنوب (والوزة) التي طارت
نشر في الأهرام اليوم يوم 29 - 01 - 2011

استحوذت على أحد الأمراء في عهود غابرة رغبة فأفضى لطباخه فأمره أن يصطاد (أوزة) من البحيرة المتاخمة لقصره ليعدها لمائده غدائه.. فلم يبذل الطباخ كثير جهد في اصطيادها ونتف ريشها وشرع في طبخها على الفور مستخدماً خبرته الطويلة في الشواء وفنونه وهو يقلبها على أوجه متعددة ومن تحتها تتلظى نار الحطب الحمراء.. هكذا أرادها الأمير.. والطعام غالباً ما يكون تمام نضجه ووفرة شهيته وهو على نار الفحم أو الحطب الهادئة وليس لهيب الغاز الحارق.. ويقال إن معظم العائلات المالكة في أوروبا وغيرها يستخدمون الفحم في طبخ طعامهم رغم أصوات منظمات حماية البيئة التي تنشط هناك.
تطاير لعاب الطباخ وهو يضعها على طبق فضي منقوش بغية تقديمها لأميره في القصر.. وعلى قدر حجم الرغبة التي استحوذت على الأمير انتابته أيضاً وأضحت أكثر جنوناً وغرابةً عندما عقد النية بدعوة صارخة من بطنه تحثه على نزع أحد سيقان الأوزة الشهية والتهامه غير آبهٍ بما سيحيق به من لوم أو عقاب.. وقد فعل.. وبعدها ولج غرفة الأمير يحمل بين يديه أوزة بحجم غير صغير على الإطلاق غير أنها طبقاً لما فعله كانت بشكل بائن مبتورة الساق مما أشعل فتيل الغضب والتذمر في نفس الأمير وانبرى له بلهجة شديدة النبرة تطاير على إثرها الشرر من عينيه وهمّ بضربه بمجموع كفه: «أين الساق الأخرى أيها الملعون»؟! وكم دهش وهو يغالب ثورة الغضب عندما أخبره الطباخ وهو يرتجف بأن الأوزة ليس لها إلا ساق واحدة، وهرع جهة النافذة التي كانت تطل على البحيرة فانفرجت عن مجموعة غير قليلة من الأوز وكل واحدة تنتصب برجل واحدة على الماء.. فبهت الأمير وتعجب واستفهم كيف أنه لم يدرك هذا الأمر من قبل وأخذ عقله يمور بين الحقيقة الماثلة أمامه وبين صور وأشكال الطيور التي لم يعرف على مدى سنين عمره بعضها من ذوات الرجل الواحدة.. وفي أثناء هذا الارتباك نفد الطباخ بجلده من مأزق كبير كاد أن يورده موارد التهلكة فخرج مسرعاً ولم يعد.. إلا أن الأمير أفاق من سكرته وتعجب عندما طرأت حركة على جانب البحيرة فطار الأوز بعد أن تدلت السيقان التي كان يضمها على بطنه أثناء وقوفه على الماء وحلق في الفضاء عالياً.. وطفق الأمير يبحث عن الطباخ الذي غرر به واستغفله ولكن هيهات.
والآن لا يدرك معظمنا، حتى المثقفين منا، حقيقة الاستغفال الذي حاك خيوطه بدقة عالية ومتوالية المخطط الصهيوني حول بلادنا منذ منتصف الخمسينات عندما ارتأى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ديفيد بن جوريون ضرورة التمدد داخل أفريقيا وتكريس كل الجهود العسكرية والاقتصادية والتدريبية نحو دول ما يسمّى ب(حلف المحيط) الذي ابتدعه لتطويق الوطن العربي والإسلامي من جهة الجنوب وتعزيز العلاقات الاستثنائية مع قادة تلك الدول وقادة الحركات المنشقة في السودان مستغلين الاضطراب السياسي الذي يعصف بتماسك الدولة وكيانها ويفضي إلى بيئة غير مستقرة تماماً بالأخص في المناطق النائية التي تفتقر غالباً للبنيات الأساسية وسبل المعيشة الملائمة لذلك يقدمون الدعم الذي يحتاجه هؤلاء بسخاء بغية استمرار الصراع بين الحكومة والمناطق التي تعصف بها الأزمات، فيعمل هؤلاء القادة ضمنياً لخدمة المصالح الإستراتيجية لإسرائيل في المنطقة. لذلك ليس غريباً وبشكل مؤكد أن أمثال (جون كيري) وحاشية مركز (كارتر) و(إسكوت غرايشن) المبعوث الأمريكي للسودان طباخون مهرة، انتُدبوا إلى بلادنا الكبيرة لتقطيع أوصالها قطعة قطعة وإمالة جزئها الجنوبي أولاً ليتدحرج بعيداً قرابة الثمانية ملايين نسمة في أول ضربة للانشطار المؤلم والمحزن لكل حادب وحريص على وحدة الوطن والمفرح لأمثال هؤلاء في الداخل والخارج. ستمسنا صرعة من الأوهام تصور لنا على الأقل في هذا الظرف الممجوج بأن هذا الجزء الذي اقتُطع من بلادنا ليس موجوداً من الآن فصاعداً مثلما اعتقد الأمير وهو يشاهد زعم طباخه حقيقة ماثلة أمامه بأن الأوزة ليس لديها إلا ساق واحدة.. ولن نفجع جميعاً بحقيقة ومرارة الفقدان إلا بعد الانفصال.. قد تستغرق الإغفاءة شهوراً أو سنين حسب نشاط المؤامرة الدؤوب التي تدور ماكينتها بتروس المبعوثين الأمريكيين وآلة الإعلام الغربي والمنظمات المنتشرة في داخل السودان أو التي في دولة الجوار الأفريقي.. سنفيق بعدها على واقع مرير مثلما أفاق الأمير بعد أن طار سرب الأوز من حافة البحيرة وحلق عالياً وأخذ يلعن الطباخ بعد فوات الأوان.
إن زعماء اليهود يعرضون أمرهم بجلاء عندما يتعلق هذا الأمر بمؤشرات المصلحة الحيوية لإسرائيل. ولقد أفصح (لوبيداني) الذي كان سفيراً لأوغندا ثم إثيوبيا عند منتصف الستينات تقريباً بأنه لا بُد من التدخل في السودان وزعزعة أمنه واستقراره الذي يمثل عمقاً إستراتيجياً لمصر، العدو التاريخي لإسرائيل وإمكانية تطويقها من هذا المنفذ. وكثير من التصريحات التي أطلقها هؤلاء القوم دون مواربة أو حياء لتحقيق أطماعهم الأزلية في وسط وشرق أفريقيا.. ونحن هنا نختبئ خلف هزائمنا وخلف مبررات بعض ساستنا بأن الانفصال سيعزز دورنا في الشمال لبناء الدولة التي نريد بعيداً عن تعقيدات الأوضاع التي كانت قائمة بين الشمال والجنوب ويتيح بشكل آخر للجنوبيين اختيار مصيرهم وتأسيس دولتهم التي يحلمون بها وأن المكسب الأخرى لكل من الطرفين هي وقف نزيف الحرب التي راح ضحيتها الملايين. هذه الرؤية قد تكون موضوعية بعض الشيء وبالأخص في السنوات الأولى ولكن بمرور الأيام سينكشف ويتبدى مدى عمق جرح الانفصال وغوره عندما يتمدد القوم إلى جزء آخر حسب الترتيب المدون على أجندتهم التقسيمية وسيدفعون قادتنا إلى مائدة التفاوض في قطعة أخرى ويقولون لهم إن الأوزة ليس لها ساقان. ونخشى بعد ذلك على الجسم المتبقى، جسم السودان الذي بدأت السكاكين في تمزيقه الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.