الدولة التفتت مؤخراً إلى ترقية قطاع الإنتاج بهدف دعم الصادرات غير البترولية بعد أن أصبح الانفصال قاب قوسين أو أدنى. ومن ضمن القطاعات التي تم توجيه الدعم لها كان قطاع الجلود وبالرغم من أن مساهمته كانت خلال نوفمبر (2010) (1%) من الصادرات غير البترولية إلا أن الدولة مازالت تعوِّل عليه كثيراً فالسودان يحتل المرتبة الأولى بين الدولة الأفريقية والعربية بثروته الحيوانية التي تقدر ب(125) مليون رأس من الأبل والبقر والضأن والماعز. فحصيلة صادر الجلود للعام (2009م)، حسب وزارة الثروة الحيوانية، كان (25) مليون دولار، كما أن أرقام الجلود تتزايد بتزايد الثروة الحيوانية. من هذا المنطلق فإن الجلود يمكن أن تساهم بصورة كبيرة في دعم الإيرادات إذ توفرت لها كل المعينات المطلوبة. فالإهمال الذي عانت منه الكثير من القطاعات الذي كان مردَّه الاهتمام بالبترول انعكس على ضعف حصيلة الصادر من القطاعات الإنتاجية. ووفقاً لتقرير تحصّلت «الأهرام اليوم» على نسخة منه فإن صناعة الجلود بالسودان قد تراجعت، حيث أجملت أسباب تراجعها إلى عدم إنشاء منطقة صناعية متخصصة في صناعة الجلود وإغلاق العديد من المدابغ لعدم وجود نظم التصريف وعدم كفاية التدريب والمعرفة وعدم توفر الأيدي العاملة (الماهرة) في المسالخ ومصانع الأحذية وعدم وجود معايير وشروط صحية معترف بها للمنتجات الجلدية والأحذية الجلدية المستوردة. إذاً ماذا نحن فاعلون لترقية هذا القطاع الذي كما قال مختصون في صناعة الجلود فإن هذا القطاع كالبقرة الحلوب إذا وجد الاهتمام الكبير من قبل الدولة. وكيل وزارة الثروة الحيوانية؛ د. محمد عبد الرازق، أكد أن قطاع الجلود في السودان يتميز بميزات عديدة لا تتوفر لمعظم القطاعات الصناعية الأخرى أهمها توفر المواد الخام بالأنواع المطلوبة والأسعار والكميات المناسبة، كما تتميز بالجودة التي تعني متانة تعود إلى تكوينها النسيجي والليفي. وعالمياً يحتل السودان المركز السابع بالنسبة للثروة في الأبقار والسادس للضأن والرابع للماعز. كما أن فرص ومجالات الاستثمار في الصناعات الجلدية تتمثل في تعزيز قدرات المدابغ القائمة لبلوغ مرحلة تصدير (الكرست) وهي مرحلة متقدمة عن الدباغة اللينة وإنشاء مدابغ جديدة لزيادة الإنتاج بغرض السوق المحلي والصادر وقيام مصانع حديثة لإنتاج الأحذية والشنط وأحزمة جلدية عالية المستوى للأسواق الخارجية. المختصون في صناعة الجلود أكدوا ل«الأهرام اليوم» أن الجلود السودانية ذات ميزة نسبية من حيث المتانة والمادة ومرغوبة عالمياً إلا أن بها عيوباً مختلفة تمثل أكثر من (50%) وتفقد البلاد أكثر من (10) ملايين دولار سنوياً والحل وفقاً لحديث المختصين هو تحقيق المواصفات القياسية لإنتاج الجلود على مستوى الولايات والمحليات وتأهيل الكوادر العاملة وتوفير المواصفات القياسية لإنتاج الجلود الاقتصادية والمحافظة عليها وتعديل قانون الجلود للعام (54) ولائحة فرز الجلود المصدرة ليشمل الإشراف الكامل على تحسين الجلود للمركز القومي لتحسين الجلود وتنفيذ مشروع تحسين الجلود من (50%) إلى (20%) خلال السنوات القادمة واقامة مشروع إنتاج مكثف لإنتاج اللحوم والجلود ومسلخ حديث بكل ولاية وتحديث المسالخ الموجودة الآن وتحديث نظم إنتاج تربية الحيوان والحد من عمليات تهريب الجلود الخام للخارج خاصةً جلود الأبقار. التقرير الذي تحصلنا عليه أشار إلى أن الإنتاج الحقيقي للجلود لا يتعدى (26%) من المدابغ المحلية وتذهب نسبة ال(60%) جلود خام إلى الخارج و(14%) هي عبارة عن فاقد بسبب عيوب الجلود نتيجة للسلخ بصورة غير سليمة. فالمخرج - والحديث مازال للمختصين - في إقامة مدينة صناعية للدباغة وصناعة الجلود متكاملة شبيهة بما يوجد في كل دول العالم. وتوقع المختصون أن يكون لقيام المدينة فوائد اقتصادية كثيرة ومباشرة وغير مباشرة وزيادة القيمة المضافة للمواد الخام وخلق فرص عمل جديد تقدر ب(50) ألف وظيفة. وحسب التقرير كانت الجلود تصنع من فرو الحيوانات وتعد الماشية المصدر الرئيسي للجلود، بينما تمثل جلود الغزال والماعز والأغنام مصدراً آخر وذات استخدامات كثيرة، كما يتم تصنيع بعض الجلود المدبوغة المميزة من جلود (التماسيح) وسمك (القرش) والثعابين والنمور والفهود، ويدخل الجلد بنسبة (80%) في صناعة الأحذية. المختصون أكدوا ضرورة الاهتمام بهذا القطاع خاصةً وأن السودان منذ العام (2000م) هو الدولة الوحيدة التي تصدر الخام بعد أن توقفت نيجيريا وجنوب أفريقيا، كما أن هنالك (23) مدبغة بالسودان منها (5) مدابغ كبيرة و(2) متوسطتين وبقية المدابغ صغيرة. إذن، لا بُد من الاستفادة من هذه الميزات وتسخيرها لتطوير صناعة الجلود، وإذا حدث ذلك فإن هذا القطاع يمكنه أن يساهم في دعم الإيرادات خاصةً وأن السودان قد عرف هذه الصناعة منذ العام (6091م)، كما تم إنشاء أول مدبغة بالخرطوم (6191م) تليها مدبغة النيل الأبيض عام (7591م) ومدبغة الجزيرة (7691م) وهنالك ما يقارب (300) مدبغة حرفية موزعة على بقية ولايات السودان تختص بصناعة الأحذية. التقرير أشار إلى أن صناعة الجلود تمتاز بسهولة التسويق سواء أكانت جلود جاهزة أو شبه جاهزة فلا بُد من تحسين إنتاجها عن طريق وزارة الثروة الحيوانية مع ضرورة الاستفادة من مركز البحوث والاستشارات الصناعية وضرورة قيام المدبغة في مساحة (1500) فدان تشمل (200) وحدة من المدابغ والمنتجات الجلدية ومنتجات المصانع ووكالات لحفظ المواد الخام، مع الأخذ في الاعتبار التوسعات المستقبلية. إذن، هنالك إجماع من قبل المختصين بضروة الاهتمام بهذا القطاع الإنتاجي والاستفادة كذلك من خروج نيجيريا وجنوب أفريقيا من سوق صادر الجلود الخام. عدد من الاقتصاديين أشاروا إلى أهمية هذه الصناعة التي إذا وجدت القليل من الاهتمام فإنها ستساهم بصورة كبيرة في دعم الصادرات غير البترولية وتساءلوا لماذا لا تهتم الدولة بهذا القطاع والسودان مازال يحتل المرتبة الأولى في أفريقيا والدول العربية من حيث أعداد الثروة الحيوانية؟ فلماذا لا نستفيد - والحديث للاقتصاديين - من هذه الميزات وندخل أسواق العالم لنغذيها من الأحذية والأحزمة والحقائب والقفازات والمعاطف حيث تدخل الجلود المدبوغة في هذه الصناعات. وكما قال التقرير فإن صناعة الأحذية تمثل المستهلك الأكبر لها دون غيرها من الصناعات الجلدية وهنالك صناعات عريقة بالسودان أشهرها (المركوب). وأخيراً (نترك) هذا القطاع (برمته) لوزارات الثروة الحيوانية والصناعة والمالية فماذا إذا هم فاعلون بهذا القطاع لتطويره وإدخاله دائرة الإنتاج بقوة؟