المسالخ المحلية و«مساطب» الذبيح سجلت تجاوزات وقفت على بعضها «الأهرام اليوم» وأكدت حدوث بعضها جهات الاختصاص، مما جعلنا نتساءل: من هو الرقيب الذي يفترض وجوده داخل تلك المسالخ؟ ولماذا يتم تجاوز الطبيب البيطري - إن وُجد - في كل شيء، بما في ذلك عدد الذبيح المسموح به. غالبية العاملين بتلك المسالخ لا يخضعون للكشف الطبي وبعضهم ليس لديه كروت صحية. مخالفات في التراخيص واللوائح والمحارقة أيضاً. إدارة المسالخ بوزارة الثروة الحيوانية الاتحادية اعترفت بوجود مخالفات في المسالخ المحلية والمساطب التي تتبع لولاية الخرطوم وطالبت بضرورة معاملة الذبيح المحلي مثل لحوم الصادر حفاظاً على صحة المواطن. المجلس التشريعي بولاية الخرطوم دفع في وقت سابق بتوجيه إلى الجهاز التنفيذي لإيقاف العمل بالمسالخ والمساطب بالولاية وإمهالها فترة زمنية محددة لتوفيق أوضاعها، إلا أن ذلك أصبح حبراً على ورق..!! أكثر من (12) مسطبة ومسلخا للذبيح المحلي بولاية الخرطوم تقوم بالذبيح المحلي تحكي عمق التردي البيئي والانهيار الصحي، صادقت عليها المحليات بعيداً عن قوانين الصحة العامة وصحة البيئة، بينما تشدد على الرسوم فقط، فصارت مسالخ زاخرة بكل أنواع التلوث: روث الحيوانات المتراكم في شكل تلال، مخلفات الذبيح التي تتبعثر بإهمال والدماء المُتيبِّسة على سطح الأرض وقد تحوّل لونها إلى السواد، بجانب افتقارها لأبسط المعايير والاشتراطات الصحية المفترضة على أي مرفق. هي فوضى أنتجتها المحليات وساهمت فيها وزارة الثروة الحيوانية في المسالخ الكبرى نتيجة تقصيرها في تعيين الكوادر البيطرية الكافية؛ حيث أصبح هنالك قصور في تفتيش اللحوم وتغاضٍ عن وضع الأختام على الذبيح المحلي. «الأهرام اليوم» غاصت في عمق الروث والدماء في بعض المساطب وخرجت بالتحقيق التالي: كشفت زيارة ميدانية قامت بها «الأهرام اليوم» إلى بعض المسالخ المحلية بولاية الخرطوم عن عمق التردي البيئي والتدهور الصحي، بجانب مخالفة أسس وقوانين البيئة والصحة العامة. وشملت الزيارة كلاً من دار السلام والحاج يوسف ومساطب كرري التي تجاور مسلخ كرري الوطني. لفت نظر «الأهرام اليوم» الكلاب الضالة وكأنها تركض حول جيفة، بالإضافة إلى انتشار الروائح الكريهة المنبعثة التي استقبلتنا من على البُعد. كما لاحظنا توسط المسالخ الأحياء السكنية وهي تفترش روث البهائم وأحشاء الذبيح التي طُرزت بأصواف وقوائم المذبوحات والعظام التي تم رميها أمام البوابات الحديدية المتآكلة وبراميل المياه حيث لا يوجد مورد مياه سواها. كانت تلك بمثابة مشاهدات خارجية، لندخل إلى المسلخ الذي يبدو أنه لا يكلف مالكيه شيئاً؛ فهو عبارة عن «مظلة» فقط؛ إذ لا يوجد أي نوع من أنواع الصرف الصحي، لا سيفونات ولا خزانات، فقط عبارة عن أرضيات ومجارٍ بدائية أصبحت عبارة عن مستنقعات وبرك من الدماء يعزف عليها الذباب أشجانه وهو يغازل الأوساخ المتراكمة وقطع اللحوم المبعثرة والملقاة أرضاً. كما يحف المسلخ، في بعض نواحيه، تلالٌ متراكمة من «فرث الذبائح» والدماء السوداء الجافة التي ترسم خرائط تحكي عمق مأساة الانهيار وتحلل الوضع الصحي. { «الركشة» لنقل اللحوم..!! أما عملية نقل اللحوم فلا تكلف توفير عربات مجهزة ومبردات، فقط «ركشات» أو عربة «بوكس» لتُحمل عليها اللحوم بعد وضعها داخل جوالات بلاستيكية صغيرة «يتدلى» اللحم من أطرافها وهي تسقط من أيدي حامليها على الأرض مراراً وتكراراً وهم يرتدون ملابسهم العادية وهي متسخة والأمر الذي لفتني هو أظافرهم الطويلة. والجميع في المسلخ يرتدون «السفنجات» بمن فيهم الطبيب البيطري! ضاربين بكل قوانين السلامة عرض الحائط..!! { بيطري مغلوب على أمره وذكرت مصادر ل«الأهرام اليوم» أن الأطباء البيطريين -إن وُجدوا - بالمساطب هم مغلوبون على أمرهم؛ حيث لا يوجد شخص يصغى لما يقولون أو يرضخ لتعليماتهم، سواء عند ذبح الإناث أو في حالة تجاوز الذبيح المسموح به، أما العاملون فلا يُجرى لهم كشف طبي ولا يملكون كروتاً صحية، وربما تزاول المسالخ عملها من غير تراخيص؛ بالإضافة إلى مخالفات طالت اللوائح مثل مواصفات خزانات المياه أو الآبار أو حتى المحارق. وأكد مصدر ل«الأهرام اليوم» إن المحليات لعبت دوراً في هذا التردي؛ فهي تمنح تراخيص دون الرجوع إلى جهات الاختصاص؛ إذ يبدو أن الذي يعنيها هو جني الأموال مهدرةً في سبيلها صحة وسلامة المواطن. واستهجن المصدر المرسوم (14) وقال هذا المرسوم جعل مدير الإدارة العامة بوزارة الثروة الحيوانية بلا صلاحيات وليست له سلطة على أية جهة سواء فنية أو غيرها، وقال إن ذلك أفرز انعكاسات سيئة على البيئة وعلى المواطن، ضارباً مثلاً بسوق «كتلك» بأم درمان حيث يتم التعامل وشراء اللحوم بصورة عشوائية من السلخانات والمساطب ويتناولها الناس. { فوضى الذبيح المحلي أكد مصدر ل«الأهرام اليوم» أن نقص الكوادر الطبية بمسلخ معروف بأم درمان خلق نوعاً من الفوضى بخصوص الذبيح المحلي والسبب وجود طبيب واحد يقوم بالتفتيش ويقوم أي شخص بعمل الأختام ولا يوجد أي ضبط على عملية الأختام هذه، وقال إن القائمين على الأمر لا يهمهم شيء سوى وضع الأختام في حال حدث تفتيش أم لم يحدث، وأحياناً تحدث زيادة في عدد الذبيح ويُمرر من غير كشف أو تفتيش. وقال المصدر الذي تحدث ل«الأهرام اليوم» إن السياسات أبعدت ذوي الكفاءة ودفعت بآخرين تنقصهم الخبرة. واستهجن المصدر سكوت الأطباء البيطريين عن مثل هذه الأوضاع وسلوك وزارة الثروة الحيوانية التي تماطل في تعيين الكادر البيطري في ظل وجود عدد كبير من الأطباء البيطريين العاطلين عن العمل. ومن جانبه قال مدير الإنتاج بمسلخ كرري الوطني؛ الدكتور أحمد: إن بالمسلخ عدد (6) أطباء بيطريين وهذا يعتبر عدداً كافياً؛ لأنهم يقومون بذبح (60) ثوراً في اليوم، والأطباء موزعون على ثلاث ورديات ولا يوجد ضغط يتطلب زيادة عدد الأطباء. وعن المخلفات قال نقوم بأخذها أولاً بأول مثل «القرن» نتخلص منه يومياً وأيضاً الدماء يتم تجفيفها وحرقها ، وكذلك توجد محرقة للإعدامات، إضافةً إلى استعمالنا لمطهرات طبيعية بدلاً عن الكيميائية، وقال نحن نعمل بمواصفات عالمية ولدينا أحواض تبخر تقلل من الروائح وتطرد الذباب، أما عن الروائح فهي روائح طبيعية. { حبر على ورق المجلس التشريعي بولاية الخرطوم كان قد دفع بتوجيه إلى الجهاز التنفيذي لإيقاف العمل بمسالخ اللحوم والمساطب وأمهلهم مدة شهر لتصحيح أوضاعهم وإلزامهم بالمواصفات المطلوبة. إلا أنه مضى على تلك التحركات ما يزيد عن الأربعة أشهر وما زالت الأوضاع كما هي ومازالت شكاوى المواطنين تتعالى بسبب تضررهم من مخلفات الذبيح واللحوم. وقال رئيس لجنة الصحة بالمجلس؛ محمود جابر مضوي: إن اللجنة اجتمعت مع الجهات ذات الاختصاص وخرجت بتوصيات تتمثل في تطبيق قانون الإيراد للعام 2010م بواسطة وزارة الزراعة وإلزام المسالخ بالتخلص من المواد الصلبة يومياً بما فيها المساطب والمسالخ، بجانب الالتزام بتبريد وترحيل اللحوم وفق المواصفات وإلزام وزارة الثروة الحيوانية بمكافحة الذبيح الكبري بالتعاون مع الجهات الأمنية، بالإضافة إلى إيقاف الزحف السكني على أراضي المسالخ وعمل حرم للمسالخ. { قواعد السلامة الدكتور إبراهيم يحيى؛ من جمعية حماية المستهلك، أكد أهمية مراعاة قواعد السلامة والصحة بالمسالخ، وتبدأ من الأختام والمواد المستخدمة وطرق معالجة المخلفات وتوفير محرقة لذلك والكشف على الذبيح وتسليم اللحوم، وقال إن هنالك عدة أمراض بكتيرية وفيروسية وفطرية تصيب الحيوانات واللحوم وتفسدها وتصبح غير صالحة للاستهلاك وتتسبب في تلويثها، وأيضاً هنالك الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان وهي تتسبب في انتشار المشاكل الصحية التي ذكرتها، ويرجع ذلك إلى عدم الالتزام بالضوابط الصحية والمعايير الطبية في حفظ اللحوم، وأضاف أن الإخلال بتلك المعايير يتسبب أيضاً في مشاكل اقتصادية وبيئية ويتسبب في انتشار السل والبروسيلا التي تسبب الحُمّى المالطية وكذلك الديدان الشريطية في «الفرث» الذي تتوالد فيه البكتيريا والسالمونيلا المسببة للتايفويد وكذلك «شايقيلا». وقال لا ننفي ضرورة قرب المسالخ من المدن لكن لا بُد من مراعاة الشروط الصحية عكس ما نلحظه اليوم في عمليات النقل بعربات غير مجهزة ولا توجد ثلاجات، لذا نسمع كثيراً من الشكاوى من جراء التسمم باللحوم، وأيضاً الصرف الصحي لا يُولى أدنى اهتمام، ونلاحظ أن المخلفات تُرمى في العراء وهذا يتسبب في تدهور البيئة وصحة الإنسان، كل تلك الأشياء لها مضار اقتصادية وصحية كبيرة جداً، وأردف يجب أن تراعي الجهات المسؤولة عدم تصديق منازل بالقرب من المسلخ. { شكاوى من جانبه قال مدير المسالخ بوزارة الثروة الحيوانية؛ الدكتور عباس صديق، ل«الأهرام اليوم» إن المسالخ الحكومية جيدة ولا تسجل ضدها مخالفات وهي تخضع للتطوير باستمرار، وأشار إلى مسلخ الكدرو وقال إنه يعد نموذجاً للمسالخ وإذا وردت حوله شكاوى فإن مردّ ذلك يكون بغرض طلب تعويضات، وهنالك العديد من المسالخ التي أُغلقت بسبب عدم مقدرتها على مواكبة التطور التقني وبسبب التشديد في تطبيق المواصفات التي لا تتم إلا برأس مال كبير. وأشار مدير المسالخ بالثروة الحيوانية إلى مسالخ بها بعض المخالفات الصحية وخاصةً المسالخ الخاصة، وقال إن خبراء أجانب أبدوا دهشتهم للوضعية الجيدة للمسالخ الحكومية، وقالوا إن في معظم البلدان تكون المسالخ الحكومة سيئة والمسالخ الخاصة جيدة عكس الحال في السودان. بينما أكد صديق أن الإشكال الحقيقي يوجد في «المساطب» وهي تابعة لولاية الخرطوم وللمحليات التي تعتمد على قانون من المجلس التشريعي. وشدد د. صديق على ضرورة معاملة الذبيح المحلي معاملة الصادر من أجل صحة المواطن.